اصطلاح روسي ظهر في الادب اولا ويعني (التحقيق الذي يقوم على فكرة تأخذ شكل تحقيق صحفي لأحداث سياسية او مظاهر اجتماعية و اقتصادية تكون حديث الساعة بصورة قصصية) فهو مزيج بين القصة و المقال وبهذا فهو لم يكن قصة و لم يكن مقال اذن هو صنف من الادب السردي يقترب من الاقصوصة او القصة ويميل الى التوسع في عنصر الوصف التصويري لوقائع واحداث شهدها الكاتب بنفسه ويتضمن معالجة عامة تعرض بطابع حكائي . وتعود بداياته الى العام 1917 بعد نجاح الثورة الروسية بعد ان خرج مجموعة من الشيوعيين اخذوا على عاتقهم توصيل الافكار الماركسية للجمهور المتحمس للأفكار الجديدة اما جذوره فتمتد الى مسرحيات تشايكوف التي تمرد فيها على النسق الارسطي الذي وضعته الاكاديمية الفرنسية وراح يقدم شرائح مجتمعية مجسدا فيها حالات التذمر الدافع الى الرفض ومن ثم الثورة لكن حتمية الواقع توصلهم الى الياس كون الواقع بكل ما فيه من تناقض و فساد ينتهي دائما بالعجز وعدم القدرة على تغيير اي شيء وفي الواقع تكون حالة التمرد الجامحة واليائسة التي تعتري جماعات من الناس دون ان تجد القدرة على التغيير لأنها تصطدم دائما بصلابة وصعوبة تحطيمه فتكون النتيجة الاستسلام في مرارة ويأس وذلك ما تميز به تشايكوف في عرض الحياة الروسية التي انتقاها من احداث الحياة اليومية وعرض انفعالاتها في مجتمع يضج بالثورة المكبوتة غير القادرة على العمل الايجابي الفعال لتغيير الواقع وذلك ما سماه النقاد بـ (الاوتشرك).

بعد قيام الثورة الروسية تولدت حاجة لدى السلطات السياسية / الاعلامية لترسيخ مفاهيم الثورة الماركسية وتحقيق مقاصدها في التأثير على الراي العام في الشارع فرجال السلطة عملوا على فرض اشكال مسرحية مناسبة لمضامين الثورة وداعية لها فهم نظروا الى المسرح على انه اداة مهمة من ادوات تعليم الشعب مبادى الشيوعية فابتدع مجموعة من الصحفيين و المسرحيين فن (الاوتشرك) القائم على التحقيق الصحفي الدرامي الذي يتعرض الى مواقف واحداث يومية لافته وذات اثر اجتماعي اني التاثير ومن ثم تطورت هذه العروض بعد موت الزعيم السوفيتي (لينين) حيث اراد مجموعة من الصحفيين الروس في موسكو التعبير عن حزنهم بطريقة او اخرى فارتدوا القمصان الزرقاء ووقفوا يعبرون عن حزنهم تجاه الزعيم المتوفي و سرعان ما انتشرت فكرة القمصان الزرقاء وكان من بين منهجهم مسرحة الاحداث الجارية دون ملحقات مسرحية واغناء الحدث بالمزاحات السياسية ساخرين من اعداء الماركسية في الداخل و الخارج متخذين من اي مكان يتجمع فيه الناس منبرا مسرحيا وسرعان ما حقق له حضوره في الشارع الروسي لينتقل الى بلدان اخرى فما ان منيت المانيا بهزيمتها في الحرب العالمية الاولى التي ولدت صرخة احتجاج شرسة نادت بضرورة ادانة كل اشكال القهر الفكري و السياسي اذ بدأت جموع الغاضبين تبحث عن اشكال جديدة للتعبير عن الهزيمة المرة و سرعان ما انتقلت اليها عدوى مسرح الاوتشرك كشكل جديد متمرد على ما هو سائد و مألوف في المسرح الالماني قائم على الاحتجاج والتحريض و التأثير فتكونت مجاميع مسرحية تعمل على وفق ما قدمه الفنانون الروس من خلال (مسرح الصحف الحية) على يد عمال المانيا متمثلة بـ (رابطة المسرح العمالي) ولحقتها مجاميع اخرى مثل (جماعة الداد) و (جماعة القمصان الحمر) والجماعة الاخيرة سارعت على منوال القمصان الزرقاء الروسية اذ قدمت ريبورتاجات مسرحية حملت عنوان (مقطوعات الاثارة والدعاية) فكانت عروض هذه المجاميع ممهدة لظهور (بسكاتور) ومن بعده (برخت) و لم تكن الولايات المتحدة الامريكية بعيدة عن تلك العروض فما ان تعرضت الى الكساد الاقتصادي وازدياد عدد البطالة حتى وجد مسرح الصحف الحية طريقه في عروض المسرح الداعي الى الاحتجاج و التدخل في مجريات الامور لتغيير الانسان والواقع فصارت الشوارع و الساحات العامة وميادين الاسواق والكراجات مسارح تستقبل عروض المجاميع الباحثة عن الناس في تلك التجمعات لتقدم لهم قضاياهم أيا كانت تلك التجمعات (عمال، فلاحين، طلبة، كسبة …الخ).

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *