تنتشر في العاصمة الاسبانية مقاعد من الحجر والخشب في الحدائق والساحات العامة هي اشبه بلوحات فنية، بتصاميم تمثل كتباً لمؤلفين اسبان في شتى أنواع الكتابة، هناك مصطبة بشكل رواية وأخرى تحمل عنوان ديوان شعر، وبصورة تحافظ على أصل لوحات الأغلفة في النسخ الورقية المنشورة لتلك الكتب. ونرى عدداً من المؤلفين الاحياء يأتون ويجلسون على مقاعد مصممة على هيئة أحد أشهر كتبهم المنشورة.
في أكثر من مكان في أوربا، هناك ابتكارات لزرع محبة الكتاب في قلوب الناس، وهو شعور مشترك لدى معظم الدول من اجل وضع الانجراف وراء تقنيات الالكترونيات في مديات تحت السيطرة، لكي لا يفقد المجتمع التعامل مع أشياء أصيلة في تربيته وتطوره، والكتب تمثل العلامة الفارقة في حياة جميع الشعوب.
لكن الكتب لا يمكن ان يتم السماح بنشر المستويات الهابطة منها، والتي لم تمر على لجان فحص واجازة ، ليس من الناحية الفكرية والسياسية، وانما من باب صحة المعلومات ودقتها وتوثيقها للكتب العلمية والتاريخية، ومن الناحية الإبداعية الفنية لكتب الادب بمختلف أنواعه. وإذا اجتزنا هذه المرحلة، سنواجه حقيقة انّ المكتبات التي تبيع الكتب معدودة العدد ونادرة وهناك مدن عربية، وعراقية أيضاً، لا توجد فيها مكتبة واحدة. وباتت معارض الكتب الدولية والمحلية هي النافذة الواسعة لإطلالة الناس على عالم الكتب. وهذه المعارض يعاني الناشرون فيها تناقص عدد المشترين بسبب غلاء أسعار الكتب، وهم لا يريدون تنزيل الأسعار تحت الحد الأدنى المستوفي لتحقيق الربح، وتبقى الكتب في كل الأحوال غالية الثمن على ذوي الدخل المحدود. وهنا لابد أن تتدخل وزارة الثقافة بالاتفاق مع الناشرين العرب الوافدين لتعويضهم نسبة الخصم الكبيرة الواجب وضعها على سعر الكتب وحساب المبيعات عند انتهاء المعرض، او يمكن منحهم إعفاءات من أجور تأجير مساحة العرض وكذلك النقل وبعض الخدمات المساعدة. وبذلك نكون قد منحنا دفعة من التشجيع للناشرين، لاسيما الجدد منهم للمضي في مكابدة صعوبات النشر وديمومة هذا المجال في عالم الثقافة، كما نكون قد حبّبنا الكتب الى القراء من خلال الأسعار الزهيدة.
ما أحلى ان تنتشر في ساحات مدننا الاعمال الفنية الكبيرة التي تعبر عن قيمة الكتاب ودوره في بناء الانسان، وهذا وحده لا يكفي من دون دعم الحكومات لصناعة الكتب ولمؤلفيها وتكريمهم في كل المناسبات، ليس عبر الحافز المالي فقط، وانّما هناك امتيازات اعتبارية كثيرة يمكن أن ينالوها لقاء تأليفهم الكتب التي يتداولها طلبة الجامعة أو ملتقيات الفكر والثقافة أو تلك التي فازت بجوائز عربية ودولية.