في الغربة وفي المهاجر عادةً ما يرتفعُ مؤشر الحنين إلى البلاد في كل مناسبة دينية وخاصة في شهر رمضان، وبرغم وجود جميع المستلزمات المطلوبة لهذا الشهر الكريم هنا في منافينا ومهاجرنا، من طعامٍ سابغٍ وحلوياتٍ فاخرةٍ وفواكهٍ طازجةٍ، غير أنَّ جميع هذه المغريات لا مذاق لها بقدر مذاق الطعام في وطنك، ولذا ترى الناس هنا في الغربة تحاول وتجتهد ريثما تجد ما هو شبيها للطعام والخبز وللطرشي والمخللات في بلدانها وأوطانها، وإذا ما عثرت على كل ذلك مثلا، هل بوسعها أن تسمع صوت الأذان وهو يتعالى من منائر المساجد والجوامع؟ وكلنا يعرف أن سماع صوت أذان الغروب في رمضان له منزلة خاصة لدينا، ولعل الجميع هناك في البلاد تراهم يقفون عند أبواب البيوت وهم يترقبون سماع صوت الأذان الذي يدعوهم إلى الإفطار بمشهد إنساني تجد فيه الكثير من الإيمان والألفة والمحبة والتقوى، بينما هنا ربما هناك مسجد أو مسجدان في ولاية ما من دول الغربة وهنيئاً لمن يسمع صوت الأذان في منفاه أو مهجره البعيد، وربما يفطر أهلنا في العراق هذا اليوم على تصريح نائب برلماني فاسد ومنافق وملعون في الدنيا والآخرة بدلا من إفطارهم على صوت مدفع الإفطار الذي تعودوا عليه في كل شهر من رمضان الكريم، وربما هنا في الغربة نفطر على صوت موسيقى الجاز المنبعثة من حانة قريبة من بيتنا بدلاً من الإفطار على صوت التراويح والأدعية الشجية التي تزقُّ الروح برعشات الاطمئنان والسعادة والإيمان، أما صوت طبل المسحراتي فله منزلة خاصة في أفئدة المؤمنين، ذلك الصوت الهادر الذي ينبعث من الطبل الكبير وهو يدور الأزقة والحارات مرددا سحور .. سحور.. كما أنَّ الزيارات التي تقوم بها العوائل العراقية إلى المراقد المقدسة في الأعظمية والكاظمية وكربلاء وسامراء والنجف في كل خميس من رمضان لا يمكن أنْ تجد لها مثيلا هنا حتى لو كنت تعيش في أجمل بقاع العالم، ذلك أن تلك الزيارات المباركة تكون مصحوبة بإفطار شهي في صحن أحد الأولياء الصالحين في تلك المراقد المقدسة ويا له من إفطار يحلم به كل غريب عن البلاد، كل هذه الطقوس يفتقدها الإنسان المنفي والمهاجر هنا في الغربة، ولذا اذكرونا هناك في البلاد عندما تسمعون أذان الغروب، واذكرونا مع ترتيل الأدعية وصلاة التراويح، واذكرونا عندما تجلسون مجاميع في المقاهي الشعبية وانتم تلعبون لعبة (المحيبس) وأحدكم يصرخ مبتهجاً بات؛ فأنتم لا تعرفون عذابات الغريب في المهاجر عندما يشتاق إلى وطنه، ويتذكر تفاصيل طفولته في الحارات الشعبية في شهر رمضان المبارك، فالحنين إلى الوطن صلاة ثانية لا يؤدي طقوسها سوى الغرباء عن أوطانهم، أجل رمضان موحش وحزين وغريب مثلنا هنا في المهاجر نحن الأغراب والمبعدون عن أوطاننا، فكلما أفطرنا هطل الدمع من الأحداق حنيناً للبلاد.
حسن النواب