فيما‭ ‬تحل‭ ‬الذكرى‭ ‬العشرون‭ ‬لغزو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وأخرى‭ ‬أجنبية‭ ‬مجاورة‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬نيسان‭ ‬2003،‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬العراق‭ ‬يئن‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ونتائجه‭. ‬ويشهد‭ ‬منذ‭ ‬انسحاب‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬البرلماني‭ ‬وتمرير‭ ‬صفقة‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العتيدة‭ ‬برئاسة‭ ‬محمد‭ ‬السوداني،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخروقات‭ ‬الدستورية‭ ‬والقضائية‭ ‬والسياسية‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬المشرعة‭ ‬سابقا‭ ‬وأهمها‭ ‬قانون‭ ‬الانتخابات‭ ‬‮«‬سانت‭ ‬ليغو‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أصلح‭ ‬بجهود‭ ‬انتفاضة‭ ‬تشرين‭ ‬2019،‭ ‬وتمت‭ ‬إعادة‭ ‬أحزاب‭ ‬السلطة‭ ‬وكتلها‭ ‬في‭ ‬مجلسي‭ ‬النواب‭ ‬والوزراء،‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية‭ ‬والكردية،‭ ‬العمل‭ ‬بصيغته‭ ‬السابقة‭ ‬سيئة‭ ‬الصيت‭ ‬بالقوة،‭ ‬على‭ ‬رغم‭ ‬الاعتراضات‭ ‬الشعبية‭ ‬للغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬وقوى‭ ‬المعارضة‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬وخارجه‭. ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬شاهدناه‭ ‬أثناء‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬المتعددة،‭ ‬إصرار‭ ‬المتسلطين‭ ‬المحير‭ ‬للغاية،‭ ‬تمرير‭ ‬إقرار‭ ‬القانون‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭. ‬وهو‭ ‬سلوك،‭ ‬ينذر‭ ‬بأعمال‭ ‬قمع‭ ‬سياسي‭ ‬وعودة‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬فجلسة‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬26‭ ‬آذار‭ ‬كانت‭ ‬دراماتيكية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد،‭ ‬فوضى‭ ‬وسوء‭ ‬إدارة‭ ‬ومشادات‭ ‬كلامية‭ ‬واعتداء‭ ‬بالضرب‭ ‬على‭ ‬النواب‭ ‬المستقلين‭.. ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬يطرق‭ ‬بعنف‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬متحديا‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬وبلغة‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬للنواب‭ ‬المعارضين‭ ‬بسحب‭ ‬عضوية‭ ‬المجلس‭ ‬ورفع‭ ‬دعاوى‭ ‬قضائية‭ ‬ضدهم،‭ ‬داعيا‭ ‬حرس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬البيشمركة‭ ‬والأمن‭ ‬لإخراجهم‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬البرلمان‭ ‬بالقوة‭. ‬والأحزاب‭ ‬الكبيرة‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬بطريقة‭ ‬مبهمة،‭ ‬استدعاء‭ ‬‮«‬الفئة‭ ‬الغائبة‮»‬‭ ‬لتمرير‭ ‬‮«‬سانت‭ ‬ليغو‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬هيمنة‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وزعاماتها،‭ ‬ويجعلها‭ ‬متحكمة‭ ‬أكثر‭ ‬بالقوائم‭ ‬الأوفر‭ ‬حظا‭ ‬لدخول‭ ‬البرلمان‭ ‬والهيمنة‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

العراقيون‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬الديكتاتوري‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬نيسان‭ ‬2003‭ ‬كانوا‭ ‬يأملون‭ ‬خيرا‭ ‬لبلادهم‭ ‬وحياة‭ ‬حرة‭ ‬كريمة‭ ‬ومستقبل‭ ‬يحقق‭ ‬أماني‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬لكن‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الأمل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬تمن‭ ‬وقراءة‭ ‬في‭ ‬فنجان‭ ‬مثقوب‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬قارنا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الحدث،‭ ‬بين‭ ‬الممارسات‭ ‬السيئة‭ ‬للأحزاب‭ ‬الماسكة‭ ‬بالدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬الحكم‭ ‬البائد‭ ‬وإصرار‭ ‬قياداتها‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬أبد‭ ‬الآبدين‭ ‬وبأي‭ ‬ثمن‭. ‬وبين‭ ‬سلوك‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬الديكتاتوري‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وإدارة‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭. ‬نشهد‭ ‬بالملموس‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬ممارسات‭ ‬كلا‭ ‬النظامين،‭ ‬الشمولي‭ ‬الذي‭ ‬غل‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬إجرامه‭ ‬وخراب‭ ‬الوطن‭ ‬وتدميره،‭ ‬وممارسات‭ ‬الطبقة‭ ‬الشعبوية‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬لتحكم‭ ‬البلاد‭ ‬برعاية‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭. ‬وسنجد‭ ‬أيضا،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬خروقات‭ ‬دستورية‭ ‬وقانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬ومجتمعية،‭ ‬يتأذى‭ ‬بسببها‭ ‬يوميا‭ ‬ملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬الأبرياء،‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬وذات‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬العراق‭ ‬بالصميم‭ ‬وحقق‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتمناه‭ ‬ويريده‭ ‬كلا‭ ‬النظامين‭ ‬لجعل‭ ‬العراق،‭ ‬جسد‭ ‬هاويا‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬محروقة‮»‬‭ ‬بلا‭ ‬شعب‭.‬

ثمة‭ ‬رأيان‭ ‬خطيران‭ ‬كان‭ ‬الدكتاتور‭ ‬صدام‭ ‬إبان‭ ‬حكمه‭ ‬يتحدث،‭ ‬أحدهما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمستقبل‭ ‬كيانه‭ ‬ووجوده،‭ ‬يفيد‭ ‬بعدم‭ ‬إمكانية‭ ‬انتزاع‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬البعث‭. ‬أما‭ ‬الثاني‭ ‬فله‭ ‬دلالات‭ ‬فاصلة‭ ‬لتفعيل‭ ‬مستلزمات‭ ‬تلك‭ ‬الإفادة،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬إنعاش‭ ‬أطروحة‭ ‬إحداث‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬إرجاف‮»‬‭ ‬لإثارة‭ ‬الرعب‭ ‬والخوف،‭ ‬وتحت‭ ‬يافطة‭ ‬شعارات‭ ‬ديماغوجية‭ ‬يتم‭ ‬تصفية‭ ‬العراقيين‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬تعرض‭ ‬النظام‭ ‬لمحاولات‭ ‬إسقاطه‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬عام‭ ‬1991‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬المستعرة‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬بسبب‭ ‬استحواذ‭ ‬أحزاب‭ ‬طائفية‭ ‬إسلاموية‭ ‬وقومية‭ ‬شوفينية‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬ومقدرات‭ ‬البلد‭. ‬كشفت‭ ‬أقنعة‭ ‬زائفة‭ ‬لرموز‭ ‬وقيادات‭ ‬تدعي‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬معارضة،‭ ‬وبأنها‭ ‬ترفض‭ ‬قمع‭ ‬الإنسان‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوقه،‭ ‬أو‭ ‬محاربة‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬وبسبب‭ ‬ضيق‭ ‬أفقها‭ ‬وما‭ ‬تقتضيه‭ ‬مصالحها،‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬ذات‭ ‬الممارسات‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬محتواها‭ ‬الفكري،‭ ‬أو‭ ‬الناحية‭ ‬النمطية‭ ‬والسياسية‭ ‬عما‭ ‬اتجه‭ ‬إليه‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭. ‬إنها‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬وتطبيعه،‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬ومظاهر‭ ‬التخلي‭ ‬تدريجيا‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬القانونية‭ ‬فكريا‭ ‬وعمليا‭ ‬مع‭ ‬اضطراب‭ ‬إداري‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وإشاعة‭ ‬المساومات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬لاقتلاع‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬أساسه‭ ‬وتعريض‭ ‬مقوماته‭ ‬البنيوية‭ ‬والبشرية‭ ‬إلى‭ ‬الخطر‭ ‬بنفس‭ ‬طريقة‭ ‬صدام‭ ‬ونزعته‭ ‬القاصرة‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *