محمد الكلابي
لوركا ليس شاعراً فقط بل هو من القلائل الذين أجادوا الرسم جيداً و برعوا في العزف ( كان لوركا عازف بيانو بارع) فقدَ كان يملكُ روحاً شغوفه و روحاً مهتاجه تُريد التعبير عن وجودها وماهيتها بأيةِ أداةٍ من أدوات التعبير الأنسانية ، عند بحَثنَا دارسين شعرية لوركا وجدنَا هناك مرتكز للمقارنة بين زرقة القمر التي مرَ بها دون كيشوت وذلك النور الذهبي الضارب الى الحمرة الذي يغمر الساحة الكبرى في مدريد و الذي تناوله (رامون دي لاكروا) والأشعاع البراق لفواكه لوركا مصورةً لنَا ( أرابسك) متعدد العناصر ، رسوم الطبيعة الساكنة وقيثارات ناعسة و صور الظل المبسطة و المناظر الطبيعية الريفية مرسومةً بخطوط رشيقة يسيطر عليها سلم اللونين الأحمر و الأصفر، تلك هي لوحات لوركا ، لم يرد لوركا للرسم أن ينفصل عن الشعر وبذلك فقد بذل جهداً بالغاً ليترك طابع رسمه على أعماله الشعرية، ليست هناك صورة شعرية خالية من لون مرتعش ومحاطةً بقوس قزح من الأنغام الموسيقية ، وقد نجح لوركا أكثر من أني شاعر أسباني أخر في جعلنَا نشعر بقوس القزح الموسيقي يحيط الكلمات الأكثرُ آلفةً وشيوعاً ، و المصدر الذي كان يغذي رسمه و موسيقاه و شعره هي ذكرياته حول المشاهد الريفية المتألقة في طفولته ، في قصائد لوركا الغجرية و كذلك في ( كتاب الأغاني ) نكتشف الحياة الزاخرة بألوان النباتات (التي عاشها لوركا ) كما لو كانت في بستان عشب خلاب لم تفقد شذاها الفواح ، وفي قصائدهِ عن غرناطة أستعمل لوركا سلماً من الآلوان لأستدعاء المدينة ( أرجواني تفاحي، أخضر، وردي مبيض، النرجسي) وهذهِ كما يقول لوركا ( ألوان الملابس الداخلية التي ترتديها حسناوات غرناطة) أي أن اللون هو من قام بتأصيل الأرتباط الآيروسي و الثقافي للوركا في مدينتهِ ، وعمدَ كذلك الى سلم لوني أخر أكثر رقة و نعومة من الأول ، إذ عندما يأتي المساء يكسو القرى و الجبال رداءاً حريرياً مشرباً بالفضةِ مع بريق اللؤلؤ ( ألوان الصقيع و القرنفل و اللؤلؤ) وغير ذلك من الدقائق اللونية التي كان على لوركا أن يكتشفها أو يعيد أكتشافها في ذاكرتهِ و التي أعتمد عليها في رسم أجواء و بيئات قصائدهِ الغجرية