كثيراً ما أسأل نفسي، عن ردة فعل الناس، لو أن الأنبياء عادوا الى زماننا هذا. هل سنتبعهم أو ننكرهم ؟ ونحن الشعوب التي تردد أحاديثهم وتنتظر المسيح والمهدي كي يخرجونا من حالنا التي وصلنا اليها.

سبب حيرتي لا يمت للأنبياء بصلة ، فحيرتي تنبع من حالنا نحن كبشر وشعوب وتنكرًنا في تصرفاتنا وسلوكنا لأبسط القيم الأخلاقية. من هذا المنطلق فإن حيرتي بما سيحدث لو أنهم عادوا ، هي حيرة في أخلاقنا نحن ، وليست حيرة في قيمهم هم- فما الذي سيدفعنا إلى إتباع الحق وتغيير سلوكنا وتعديل اعوجاج قيمنا ونحن من تنكر للحق لعقود طوال وما زال متنكرا له؟

في الأمس ، كنت أتصحف نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام . كنت أتصور إنني سوف اقرأ صفحة او صفحتين، خطبة او خطبتين لكن شمس هذا اليوم أشرقت وأنا مستغرق بقراءة آخر الصفحات.

لا شك لديَّ انني قرأت الكتاب بطريقة مختلفة عن قراءة من يقدس الإمام ، ومن رضع حبه وقصصه منذ أيام طفولته الأولى. لن أقول إنني قرأته بحياد. فأنا انسان له رأيه الخاص وينظر الى الحياة من خلال قناعاته. وجدتني اتفق مع بعض أفكار الإمام واختلف تماما مع بعضها الأخر. ووجدتني أتمنى لو انه كان حاضرا أمامي كي أسأله عمّا جال في خاطري لأقترب من فهم حيادي لموقفه من الحياة ، لكنني كباقي الناس فقدته قبل أن يتسن ليَّ أن اسأله.

لا يغيب عمن قرأ نهج البلاغة أن الإمام عليا ، كان سيد الفصحاء والمتكلمين ومدرسة في انتقاء الكلمات والارتقاء بالمعاني الى اعلى درجات البلاغة ولو انني اردت ان اعيد على القارئ كل الجمل التي أعجبتني ، ربما احتجت أن أشارك الكتاب برمته- بكل سطوره وخطبه لأن اختصار كلام البلغاء غاية لا يدركها أفضل العلماء.

في أحضان نهج البلاغة ، وجدتني استمع للإمام علي ، وأتعجب من عمق حزنه على حال المسلمين وسخطه على قيم من حوله. تعجبت من الجزع النابع من ترديد الكلام على آذان من لا يصغي ، ومن إذا سمع لن يعمل بما قيل. وجدته يجيب على سؤالي عن عودة الأنبياء فها هو امام المسلمين يتكلم حزينا لعدم طاعة المسلمين الأوائل له ولرأيه ، فكيف لأهل اليوم ان يقفوا معه ومع تعاليمه؟

يقول الإمام لمعشر المسلمين الذين يخاطبهم وكأنه يكلم عبدة الأصنام- : ” ثمَ أنتم اشرار الناس، ومن رمى به الشيطان مراميه، وضرب به تيهه” – وسيهلك فيَ صنفان: ” محب يذهب به الحب الى غير الحق ومبغض مفرطٌ يذهب به البغض الى غير الحق.” ويقول أيضا في أصحابه-: ” لا تعرفون الحق كمعرفتكم للباطل ولا تبطلون الباطل كإبطالكم للحق” وتلك ليست سوى مقتطفات بسيطة من بين الكثير من الخطب التي تفوح منها الحسرة وهو يذم أصحابه- فما هي طبيعة خلافه مع من بايعه؟

يقول الإمام: ” أضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر الا فقيرا يكابد فقرا او غنيا بدل نعمة الله كفرا او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا؟”

في قراءتي، وجدت أن الإمام علي ، كان أنسانا لا يشتهٍ أكثر من الموت في سبيل الحق وفي سبيل مبادئه ، فيقف داعيا الناس من حوله الى القتال من اجل المبادئ التي جاء بها الدين الإسلامي فيرد عليه أتباعه قائلون ( بأن حر الصيف قد اشتد ولا بد لنا من انتظار الشتاء وحين يأتي الشتاء يعتذرون ببرده عن نصرة المظلوم. ) !! يقف أمام أصحابه ، ويقول كل ما لديه من موعظة وحكمة ويتعجب من تكاثف المقاتلين حول اعدائه وتناكصهم عن نصرته.

الفرق بين من حارب ضد الإمام ومن لم يحارب معه لم يكن اختلافا على قيم الإسلام ، فذلك متروك لباب الفقه الإسلامي وليس لغيره أن يدانيه في ذلك ، لكن الفرق كان فيما وعده علي لمحاربيه مقارنة بما قدمه خصومه لجيوشهم. فأعدائه كانوا يدفعون المال للمحاربين ويشاركونهم بالغنائم والسبايا ، أما علي فكان يدعوهم للحرب من اجل نصرة المبادئ ومن اجل اعلاء صوت العدالة والحق ولا يعدهم سوى رضا الله عنهم ان هم أخلصوا في نيتهم.

رغم انني لا أتفق ابدأ مع الدعوة الى الحرب كحل لمشاكل الناس ، وجدتني متعاطفا مع الإمام في محنته مع اتباعه ان صح تسميتهم أتباع له ! وبعد قراءة الكتاب بكامله اعتقد جازما ان اكثر من يردد كلام الإمام ما كان لينصره في أيامه ولن ينصره ان هو جاء اليوم واعتقد ان الإمام نفسه ما كان ليرضى عن اعلى السلطات الإسلامية شيعية كانت ام سنية وما كان ليقف صامتا امام سرقة أموال دولة العراق من قبل القائمين عليها وما كان ليصمت امام بذخ ملوك وامراء الخليج العربي.

الرجل لم يدعو احدا الى حفظ كلامه ولم يردد آيات القرآن ويتباهى بحفظها ، ولم يدعو أحدا الى زيارة مقامه ولم يدعو أحدا الى تدريس خطبه بل دعا الناس الى عدم التمسك بمطامع الدنيا ودعاهم الى عدم احتكار المحتاج والفقير ودعاهم الى التقشف في المال كي لا يجوع انسان نتيجة لقمة أكلوها وهم متخمين!!

شخصيا اعتقد بأن من حَكَمَ قبل الأمام ومن حَكمَ بعده ، موضوع لا يستحق الجدل وربما لا شيء يستحق الجدل من منظوره حين يقتل الجوع طفلا على ضفاف المنطقة الخضراء التي يتراكم فيها مال السحت في العراق.

بعد قراءتي لنهج البلاغة اجدني اعتقد بأن الإمام ان عاد اليوم فسيحاربه أكثر الناس ادعاء لنصرته. سيحاربه من يتكلم في الجوامع والحسينيات وهو يخشى ان يقدم حياته قربانا لنصرة المحتاج والفقير ، ويرفض حتى أن يناصر مظاهرات المطالبين بالعدالة. سيحاربه البرلمان العراقي الذي يطمع اعضاءه بمال يكفي مئات الفقراء ويدعون زورا وبهتانا بأنه حقهم. سيحاربه من يحمل السلاح ويستلم مالا من اجل الوقوف في الشوارع لمضايقة وهتك أعراض الناس بدل الذود عن حقوقهم. ستحاربه السلطات الدينية في إيران والعراق والسعودية وعلى بابه سيقف ملايين الفقراء الذين قتلهم الذل وفي فراشهٍ سيتقلب دون نوم حالما بمن يقف معه لا طمعا في الدنيا ولا طمعا في حوريات الاخرة بل أحرارا لا يجيدون الصمت في وجه انعدام العدالة في هذا العالم الذي يحكمه آل امية باسم علي.

من بايع عليا ، هو من ينتصر اليوم للمظلوم ضد الظالم ، وللفقير ضد السارق ، وللمكسور ضد الطغاة ، ولا فرق فيمن جاء للخلافة قبله ومن جاء بعده ، ما دام من يتكلم باسمه اول من يتنصل عن تعاليمه- ” فلا رأي لمن لا يطاع.”

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *