1

يتحدث الصبيُّ عن رمضان ، شهر طفولتنا والدشاديش فيه قمصانا تدخل الى باطن السروال ، وأمكَ خلفكَ :

إن جعت تناول في خلسة عن عيون التلاميذ والمعلم قطعة الخبز باللحم .

ــ ولكن أنا صائم يا أمي؟

ــ يا ولدي .لا يستطيع الطفل أنا يبقى جائعا ، فالجوع يعود الأطفال على البكاء .صُمْ عندما تكبر.

واذهب الى المدرسة وأقرر ان انهي الدوام وانا صائم وتعيش في مخيلتي لحظة انطلاق دوي مدفع الإفطار القادم من جهة ثكنة الجيش على الضفاف الأخرى لنهر الفرات حيث يقولون : انه مدفعا تركيا تركه العثمانيون وانسحبوا الى إسطنبول بعد ان أتى اليهم الجنرال مود من جهة الهند بأسطولٍ كبير ضباطه من الإنكليز وجنوده من طائفة السيخ الأقوياء.

ومع المدفع أتخيل ما ستعده لنا أمي من أطباق ، هي بسيطة لا ترف فيها ولكنها لذيذة ، واهم ما فيها شوربة الماش او العدس وصحن المحلبي وصحن الشعرية والخبز باللحم والتمن بمرقته التي يطفو عليها فخذا لدجاجة او ثلاث قطع من اللحم التي اعرف ان وزنها ربع كيــــــلو فقط وهو ما تتـــحمله ميزانية والدي العائد من علوة الحبوب صائما وينظر الى الصحون كمن ينظر الى امرأة يعشقها.

2

يغلق الحانوت المدرسي طوال شهر رمضان ، ويتفاخر التلاميذ أمام المعلم بأنهم جميعهم صائمين ، والمعلم يشيد بإيمانهم المبكر وقدرتهم على تحمل الجوع والعطش ، وكنت في الصف الثالث الابتدائي ، وكلما يستأذن احد التلاميذ للذهاب الى دورة المياه اعرف انه عطشانا وسيشرب الماء خلسة ويقضم من قطعة الخبز باللحم التي تدسها امه في جيبه ، وحتى نهاية شهر الصوم ، لايرضى التلاميذ بفكرة انهم يخدعون الأمهات والمعلم وانهم يشربون الماء خلسة ، ويكيفوها حسب فقه طفولتهم على انها رشفة الاضطرار .

الأمهات يشـعرن بما نخدعهن فيه ،لكن أمومتهن تجبرهن على تصديق إننا نصوم ولا يجاهرن بأننا نخدع الله ورمضان وصحون المحلبي والشوربة والشعرية.

3

حين كبرت أدركت لذة ذلك الخداع . انه هاجس طفولي بريء وكلما يقترب رمضان أتذكر أمي وصحونها وابي الذي يجيء اليها يحمل لهفته وجوعه واحسب ان المسافة بين علوة الحبوب وبيتنا هي المسافة بين الناصرية والصين .

4

الآن أتمنى أن أعيش كذبة إننا كنا نصوم ، واعرف أن آبائنا يعرفون والمعلمين والله ايضا .

والله والآبــــــاء والمعلمون ســــــوف لن يغضبوا مــــــنا ، لانهم يدركون ان الطفولة يحركها هاجس البراءة وأن صفعة أبي وعصا المعلم والحرام الإلهي لن يقـــــــتربوا من اللحظة التي كنا ننزوي فيها بركنٍ بعيد ونشرب الماء ونقـــــــضم بـــــسرعة قطعة الخبز باللحم ، وبعضنا يتخيل انه يغمسها في صحن الشوربة .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *