كم ستكون الحياة مملة قاتمة وحتى عقيمة في تثاريها لو لم يكن هناك اختلاف بين البشر في اشكالهم وألوانهم وأفكارهم وطرق كسب عيشهم، ناهيك عن أجناسهم. ان هذا الاختلاف اذن هو ناموس من نواميس ديمومة الحياة ومصدراً لسعادتها. دعنا نتصور أننا البشر نعيش في شكل واحد، ذو لون وحجم واحد، ذو لغة وافكار واحدة، أذواقنا واحدة وكذلك خيالاتنا. أمنياتنا، طموحاتنا، قدراتنا متشابهة وأخيراً كلنا ذكوراً أو إناثاً! لم يكن لتستمر الحياة بهؤلاء البشر زمناً طويلاً، ولم يكن ليكون ذلك البشر سعيداً! إنها إذاً حكمة صانع الكون في قدر اختلاف بشره. بيد أن ذلك الاختلاف قد يتجه انحرافاً الى خلاف بين البشر في تضارب أهوائه وتقاطع طموحاته وانفلات غرائزه الى تناحرات وصراعات دموية وحشية. تبدأ خلافاتنا عندما ترى الأنا الذاتية غير ما ترى أنا الآخر، وحين يغيب من يهدىء الأمر ويشعل ضوء البصيرة، فيزداد الأمر أحياناً كثيرة احتقاناً وتفلت زمام الأمر. فالخلاف اذن حالة سلبية، على خلاف الاختلاف. ان جميع الصراعات والحروب التي قامت وتقوم بين البشر، وما آلت اليه الامور من قتل وتدمير ومآس لم تكن سوى تعبيرات عن خلافات في الرؤية والمصالح والنوازع. بيد أنها كذلك واقع في حياة البشر الذي يعيش على كوكب الأرض لا يمكن تجاهله أو تخطيه أحياناً كثيرة. عندما انتهت الحرب العالمية الأولى وشاهدت البشرية حجم الدمار والمآسي التي خلفتها، انبرت العقول لتأسيس عصبة الأمم المتحدة التي تطورت لاحقاً الى هيئة الأمم المتحدة بمجلس أمنها وأجهزتها وموظفيها وخبرائها، لكي تعمل على التوفيق بين خلافات الشعوب والأمم من أجل منع تحول الخلافات الى صراعات وحروب. غير ان هذه المنظمة لم تكن بالمثالية في قراراتها، وانما قامت على توازن القوى الكبرى، والذي إن اختل ذهب من يريد الحرب والعدوان الى طرق ملتوية خارجاً عن ميكانيكيات قرارات هذه المنظمة، دون ردع بسبب ثقل قوته، كما حصل مع غزو واحتلال وتدمير العراق، وكما يحصل هنا وهناك من تنكر للحقوق. وهكذا نخلص الى أنه شتان بين اختلاف البشر في رحمته، وخلافهم في عذابه.-

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *