منذ ان كنت مراهقاً وانا اهتم بما تنتجه الحضارة الغربية وغيرها ولاسيما المتقدمة منها ؛ كونها قدمت للمدنية الحديثة ومعالمها الحضرية ابداعات طورت الحياة وقدمتها الى درجة ذللت الصعاب وتجاوزت المحن، لتظهر مدن باسمةٌ مزدهرةٌ عصريةٌ بناطحات سحاب وبنايات فخمة ومحطات قطارات ومطارات وشوارع ووو.. الخ سيعجز لسانك وانت تصفها، وكلها تُدار بنظم ادارية متقدمة يدعمها اقتصاد ناهض ومتطور سابق الزمن .كان يشدني لهذه الحضارة ملامحها التي دخلت عصر السرعة وهي مسيطرة عليه بعد ان خلقته، إذ لم تعد تجد قصوراً في وصول العمال والموظفين الاداريين الى محلات عملهم ودوائرهم واصبحت الحياة على الرغم من ازدحام المدن منظمة ،ولعل ابرز ما لفت انتباهي هو مترو الانفاق (نظام النقل السريع) الذي ربط المدينة ببعضها البعض وشد اواصرها وربطها مع اطرافها او مع مدن اخرى ،ولم يعد هناك قلق من تنامي المدن السريع واتساعها، فقد واكبوا هذا النمو فكأنما المترو جمع شتات المدن ،وقد شدتني للشكل الحضاري الغربي ايضاً طبيعة المترو، تكنولوجيته وابنيته ألوانه وأمكانيات استيعابه وسرعته واذرعه التي غطت المدينة كأطراف الاخطبوط ،لقد بدا لي رائعاً وقد وجدت فيه واجهة حضارية ودليلاً على نمو المدن وتطور الدول ؛كونه تعلق بالتكنلوجيا والاقتصاد حيث حركة العمل واتساع المشاريع ،ومع تزايد عدد السكان اصبح الامر يتعلق بالاستيعاب فضلا عن جمالية مشاهد ركوب المستخدمين ونظام ادارته ،هكذا تعمقت الصورة في داخلي وشاركها معي جيلي الحالم الذي ملأت الازمات حياته من حرب الى حرب ومن محنة الى محنة الى ان ضاع الحلم وليس هذا فحسب انما تشوه بعدما غادرتنا ملامح المدنية وعصفت بنا الازمات لنجد انفسنا في مترو انفاق، لكن بشكل معكوس تماماً انفاق ودهاليز تؤدي الى متاهات وخلافات وصراعات ،فبدلاً عن اعتناق فلسفة ومنهج المدنية المعاصرة وجدنا انفسنا نحلم ب(دولة خلافة راشدة وخلافة اموية او عباسية او فاطمية ولا نستبعد ان نعيش بمنهج سلطنة على غرار السلطنة العثمانية او الصفوية )،وهكذا وجدنا انفسنا نبحث عن امجاد نتغنى بها ونحلم بعودتها ونحاول تكرار تجربتها بصالحها وطالحها المهم انها تعود، فقد وجدنا فيها هوية ،وهذا الامر ليس في بئتنا فحسب بل حلم معنا اقليمنا بأكمله لاسيما دول الجوار العربي، حيث الدعوات الجذابة المبهرة التي اخذت مأخذاً كبيراً ودموياً وهي شعارات الاسلام السياسي التي غدت اوضح دليل، وبدلاً من انتظار مترو انفاق اصبحنا ننتظر خلافة ودولة بعيدة المنال ومشاريع مشوهة كل طائفة تقدمها كما تريد، وبلا وعي وادراك انجرفنا وراء تصورات طائشة لم تع ما يدور في العالم ،انما علينا ان نحقق افكارنا الغريبة العجيبة وبعدها ليكن ما يكون من دون ان نعرف اننا نعيش بمحيط دولي له توازناته وركائزه ودوله العظمى التي تديره، وان تجاوزنا كل ذلك ووجدنا في أنفسنا القدرة على اختيار منهجنا الخاص ونجح بعضنا، فسنتقاتل ونختلف طائفياً وعرقياً ويتأخر انشاء المترو ويتأخر حلم المدينة الباسمة ويتأخر التطور ؛لأننا اصبحنا امميين نؤمن بالأفكار الكبيرة الضخمة المنتفخة التي سنقضي معها سنوات من الصراعات وربما سنغادر هذه الحياة ونحن نحمل حلمنا معنا الى العالم الاخر، أنه مجرد مترو انفاق.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *