أستوقفني مقال (القاضي عبد الستار ناهي) المنشور على صفحة مجلس القضاء الأعلى العراقي،والذي كان بعنوان “الأستثناءات الواردة على إبداء الدفوع الشكلية – الجزء الثالث”. حيث أستنتجت أن هذه الدفوع لا تُطبق في العراق إلاّ في مجال الأصول المدنية، ولذلك عدت للتدقيق في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971?على أمل أن أعثر على نص يتعلق بالدفوع الشكلية – تحديداً أمام قاضي التحقيق – وقد تأكّدَ حدسي بأنه لا وجود له، كما هو مُطبق في لبنان في المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان.والتي جاءت وفق النص التالي:
[” يحق لكل من المدعى عليه أو وكيله،دون حضور موكله،ومن النيابة العامة أن يُدلي مرة واحدة، قبل أستجواب المدعى عليه، بدفع أو أكثر من الدفوع الآتية:
1-الدفع بإنتفاء الصلاحية.
2-الدفع بسقوط الدعوى العامة بأحد أسباب السقوط المحددة قانوناً.
3-الدفع بعدم قبول الدعوى لسبب يحول دون سماعها أو السير بها قبل البحث في موضوعها.
4-الدفع بكون الفعل المدعى به لا يُشكّل جرماً معاقباً عليه في القانون.
5-الدفع بسبق الإدعاء أو التلازم.
6-الدفع بقوة القضية المحكوم بها.
7-الدفع ببطلان إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق.
على قاضي التحقيق، بعد أن يستمع الى المُدعي الشخصي ويستطلع رأي النيابة العامة، أن يبت بالدفع خلال أسبوع من تاريخ تقديمه.
لكل من الفرقاء في الدعوى أن يستأنف قراره.]
الدفع الشكلي يمكن تعريفه من خلال الرجوع الى قانون أصول المحاكمات المدنية، حيث أنه دفع إجرائي ( Exception de procédure)? وليس من باب الدفاع، يتصدى الى الملاحقة أمام القضاء الجزائي، وتحديداً الى مجرى هذه الملاحقة، مما يعني أنه دفع يقتصر على قانونية الملاحقة الجزائية، دون التعرض الى أساس الحق، الذي يبقى محفوظاً، وذلك بهدف إرجاء الملاحقة الى ما بعد فصل هذه الدفوع الشكلية، حيث ذهب بعض الفقه الفرنسي بتسميتها”بالعقبة المؤقتة” لإقامة الدعوى العمومية أو مباشرتها من الناحية الإجرائية.
“L’on doit dénommer exception tout obstacle temporaire à l’action dirigé contre la (procédure),contre sa régularité,sans engager un débat sur le fond”
تسمية الدفوع
ما معناه”أن تسمية الدفوع تعني أنها كل عقبة مؤقتة تحول دون سير الدعوى الجزائية،أو عدم قانونيتها، من دون الدخول في أصل الدعوى.”
على سبيل المثال، القصد من البند 5 (التلازم) هو أن الدعوى الواضع يده عليها قاضي التحقيق،هي قيد التحقيق لدى قاضي تحقيق آخر مختص بالجرم.ولذلك إذا ما دقّقنا في النقاط السبع، نجدها تتعلق بحقوق المواطن وحقه بالدفاع الذي أضفى عليه الدستور العراقي المادة 19? (البند رابعاً) بأنه يتمتع بدرجة القداسة. وعليه لن نُطيل في شرح أهمية الدفوع الشكلية وضرورة تطبيقها في ق.أ.م.ج. العراقي، بل نؤكد على ضرورة أن تسارع السلطة القضائية المختصة،والتي لها كلمة الفصل في كل ما يتعلق بالقوانين لا سيما الجزائية، الإسراع في تقديم مشروع تعديل لقانون أ.م.ج. لأن المسألة تنطوي على أهميتين هما، أولهما الحفاظ على حقوق المواطن وحرياته، لكي لا يُلاحق – فيما لو صحّت الدفوع – خلافاً للقانون ولحقه الشخصي، سيما وأن القانون اللبناني أجاز في الفقرة الأخيرة من المادة 73 بإمكانية إستئناف قرار قاضي التحقيق الصادر سلباً أم إيجاباً من قبل الفرقاء في الدعوى، وثانيهما التخفيف من الضغط على قضاة التحقيق من مباشرة تحقيقات لا لزوم لها، للأسباب القانونية الواردة فيها،وهل يمكن لقاضي التحقيق أن يباشر تحقيقه في دعوى ساقطة بمرور الزمن، أو لشمولها بالعفو العام.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، لقد جاء آخر تعديل لقانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان عام 2019? حيث تعدّلت المادة 74 من القانون عينه، والتي حظّرت المباشرة بأي تحقيق مع المتهم أو المدعى عليه، من دون حضور محاميه، ويجب أن يتم إجراء التحقيق مع تسجيل “فيديو” صوت وصورة. هنا تبلورت أهمية الدفوع الشكلية (وفق الفقرة 7 من المادة 73) حيث يمكن للمتهم تقديم دفع ببطلان التحقيقات الأولية معه عندما تتخلف الضابطة العدلية – الضبط العدلي – عن التقيد بهذا الشرط. بإختصار هذين النصين (73-74) يريحان ضمير قاضي التحقيق عندما لا يأخذ بتحقيقات الشرطة وما يكتنفها من تجاوزات في لبنان وفي العراق وغالبية الدول.هذا المقترح أضعه بين أيدي المعنيين في السلطة القضائية وبين أيدي المحاميين وفقهاء القانون الجزائي في العراق، وأخيراً وليس آخراً بين أيدي النواب المشرعين، لِما فيه تحديث القانون في هذه النقطة الجوهرية من أهمية كي نحافظ على حقوق المتهم وحرياته،والتي لا يمكن للقاضي التصدي لها من تلقاء نفسه إن لم يكن لديه نص يُجيز له ذلك لأن المبدأ الأساسي فيما يتعلق بالقواعد الجزائية بأنها لا تُفسَّر إلاّ بشكل ضيق! والنقاش يُغني الآراء دائماً.