حاوره
مياس وليد عرفه
التحليل السياسي هو مزيج من المعلومة والاحتمال، لا يمكن للمحلل السياسي أن يقدم تحليلاً دقيقاً أو قريبًا من الواقع من خلال الاخبار الرسمية فقط
عراقيٌّ أصيلٌ نشأ وسط عائلةٍ تمازج فيها الدين والفن معًا فنتج عن ذاك التمازجِ رجلٌ زاخِرُ الثقافةِ في شتى الأمور، ناجِحٌ على أصعِدة عديدة فهو الصحفي والكاتب والمحلل السياسي والإعلامي وله تجارب مع الشعر والأدب، هو رجلٌ يحمل على كاهله همَّ الوطن الظاهرِ في الكثير من المقالات التي قام بكتابتها ألمًا على ذلك الوطن الحزين وأملًا بأن تشرق شمسه من جديد.
الدكتور علاء الخطيب الحاصل على ماجستير في الاقتصاد من جامعة روتردام بهولندا
. من مؤلفاته
-ولاية المرأة في الإسلام 2005
– الحلم المقدس 2012
له العديد من البرامج التلفزيونية والدراسات المنشورة.
– في البداية أود أن أتعرف منك على الأستاذ “علاء الخطيب” الإنسان؟
أنا علاء الخطيب ولدتُ في مدينة النجف جنوب غرب العراق، أنتمي لعائلة دينية وفنية بنفس الوقت،
والدي رجل دين وخطيب، وأخي الأكبر «كاظم الخطيب» فنان مسرحي وكاتب وشاعر معروف له العديد من المسرحيات والأغاني المشهورة لمطربين عراقيين معروفين، توفي سنة 1997 في العراق.
أخي الآخر فنان تشكيلي معروف كذلك هو “أمير الخطيب” له العديد من المعارض الشخصية في كثير من دول العالم وهو رئيس شبكة الفنانين المهاجرين، يعيش في فنلندا حاليًا.
أكملتُ دراستي الثانوية في النجف وقُبِلتُ في الجامعة، لكني خرجت من العراق حين كان عمري قرابة الـ 20 عام، انتقلت بعدها إلى سوريا، وكتبت في الصحف هناك، غادرت بعدها إلى هولندا ودرست في جامعة روتردام وحصلتُ على الماجستير في الاقتصاد والتاريخ، وقدَّمتُ رسالة دكتوراه لكني لم أناقشها.
بعدها عملت في الجامعة الحرة بالهيئة التدريسية وترَأَّستُ تحرير مجلة الحرَّة المحكمة، وانتقلت عام 2008 إلى لندن وإلى الآن لم أغادرها.
– من خلال بحثي شعرتُ أنك صحفي يحمل على كاهله همَّ الوطن وفي قلبه مزيجٌ من ألمٍ وأملٍ يظهران في المقالات التي قمتُ بقراءتها عن الوطن الجميل “العراق” وما يحصل فيه من أحداث.
ألا تشعر أنَّ الحِمل ثقيلٌ جدًّا وخصوصًا في وقتٍ صار من الصعب تغيير ما فيه من ظلم وآلام، أم أنَّ الواجب الوطني يُبدِّد ذلك الثقل؟
الصحفي والإعلامي والكاتب والفنان والمثقف عموماً يحمل رسالة وقضية، والعمل الصحفي هو همٌّ عام قبل أن يكون مهنة ومصدر عيش، الإعلام والفن رسالة انسانية سامية.
الهَم هو الإنسان، والإنسان هو عشقٌ وحب، لذا لا يمكن أن يكون حملاً ثقيلاً، ومهما كان ثقله فهو خفيف،
فإذا كان الوطن بخير فأنت بخير، والعكس صحيح، الوطن عشق وقصة عزة وكرامة.
يقول المتنبي العظيم:
وكل امرئٍ يولي الجميل محبب ٌ
وأي مكانٍ يُنبتُ العز طيِّب
لا مكان يمنحك العزة كالوطن
– قد يحصل الفرد على جنسيات أخرى من دُول أخرى غير وطنه الأم في ظروف معينة كالهجرة وطلب اللجوء للحصول على الأمان والحرية، برأيك هل تُغني الجنسية الجديدة عن الأصل وعن علاقة الفرد بوطنه ووطنيَّته؟
وما معنى الوطنية بالنسبة لصحفيٍّ ومحلل سياسي يعيش خارج ربوع الوطن؟
يجب أن نفرق بين الوثيقة والانتماء، الجنسية الأجنبية تمنحك حق المواطنة، وهي عبارة عن حقوق انسانية، كالتعليم والصحة والسكن والغذاء، أو ما تسمى بالحقوق المدنية.
الجنسية لا تمنحك الانتماء، وليست هوية بديلة، الهوية والانتماء هما الوجدان والشعور للأرض، التاريخ والأهل.
هناك ظروف سياسية وانسانية تجبرك على حمل جنسية أخرى، ولولا الاضطهاد السياسية كالذي في بلداننا لما أُجبِرنا على العيش في بلدان المنفى أو المهجر.
وقد نحمل جنسيات متعددة، لكننا لا نستطيع أن نُعدِّدَ الولاء، الانتماء والولاء لا يقبل القسمة.
فهناك فرق كبير بين الوطنية والمواطنة، المواطنة هي عقد بين الوطن وساكنه، أما الوطنية هي مشاعر وأحاسيس وحماسة.
ويمكن أن نقول أنَّ الوطنية شعور عاطفي والمواطنة عملية قانونية.
– ماذا يعني لك “العراق”؟
هذا سؤال من نوع السهل الممتنع، العراق هو الأم الحنون، وهو الجذور وهو الأقل الذي اليه نصير،
العراق ” الوطن” لا يمكن للكلمات أن تبلغ مداها وأنت تتحدث عنه.
العراق هو الذكريات والتاريخ، هو الكيان الذي تهرب منه اليه، هو الهوية التي لا ننفَكُّ عنها مهما حاولنا الفِكاك.
رحم الله الشاعر كاظم الخطيب حينما قال عن العراق:
“وحتى من تحرگني نارك يا عراق يبقه من عندك أثر”
– بالعودة إلى “علاء الخطيب” الطفل، كيف ساهَمَت تلك الفترة بصنع وتكوين شخصيتك الآن؟ وما هي العوامل التي ساهمت في الوصول لِما أنت عليه اليوم ككاتب وصحفي ومحلل سياسي وإنسان ناجح؟
أنا شغوف بالقراءة، وعشتُ في بيتٍ تحيط فيه بنا الكتب من كل مكان، فكانت لدينا مكتبتين، الأولى لوالدي وهي مكتبة كبيرة تحوي العديد من الكتب الأدبية والدينية وكتب الشعر والتاريخ والفلسفة والتفسير، وإلى جانب ذلك مكتبة أخرى لشقيقي كاظم، وهي مكتبة عامرة بالروايات العالمية لديستيوفسكي وغوغول، ومكسيم غوركي، وماركيز، وارنست همنغواي وعبد الرحمن منيف ونجيب محفوظ، والمنفلوطي ومسرحيات توفيق الحكيم، وقصص عبد الرحمن مجيد الربيعي وفؤاد التكرلي، ودواوين المتنبي والمعري وأبو تمام وأبو العتاهية وغيرها الكثير.
هذا الكم من الكتب بالإضافة إلى الحديث اليومي عن الثقافة والشعر والدين والمجتمع، كلها كانت قنوات إثراء كبيرة ساهمت في تكوين شخصيتي وصقل روحي.
كان أبي رحمه الله يعلمنا المطاردة الشعرية وكان كذلك ينشد لنا القصائد لكبار الشعراء، فزرع فينا الشغف، والشوق للقراءة.
– ككاتب يمارس اللغة، وشقيقٌ لشاعر مبدِع كـ “كاظم الخطيب” لا بدَّ وأنَّ لك علاقة وطيدة بالأدب والشعر.
أودُّ أن أتعرف على الشاعر “علاء الخطيب”، وعلى بعض أعماله الأدبية والشعرية؟
وعن قصيدته الأقرب لقلبه؟
أنا لست شاعراً، يُمكن أن أكون ناظماً، كتبتُ العديد من القصائد في مناسبات عديدة، وكتبتُ الغزل والوطني وغيرها، لكن لا يمكن أن أطلق على نفسي صفة شاعر، أنا كاتب وصحفي لدي بعض الكتب وبعضها لايزال تحت الطباعة،
وعن القصيدة الاقرب لي كتبتها قريبا تحت عنوان “لأنكِ أنتِ”:
لأنك أنتِ
أحبك أنتِ
تتوسدين قلبي
تداعبُ انفاسكِ دمي
أتحسَّسُكِ حيث أنتِ
حيث ما تغضبين … وتفرحين … وتحزنين
وما في حناياكِ من حنين … بعقلي… بروحي
بِكُلِّي …
بجزئي…
بطولِ السنين
بصبغِ الأظافرِ وما تلبسين
وما تشتهين وما تحْلُمين
وما تلفظِين وما تقرئين
أتحسَّسُكِ حيث أنتِ
أحبكِ أنتِ
لأنكِ أنتِ
– كلُّ مُفارِقٍ لوطنه هو فاقدٌ بطريقةٍ أو بأخرى، ولا شكَّ أن الفقد من أكثر الأمور التي قد يمرُّ بها الإنسان ألمًا، ولكنها ورغم ذلك من أكثر الأمور التي تعلِّم الإنسان وتساهم في عملية تقويمه وتقبُّلِه ومواجهة ما قد يحصل في مستقبله، فالحياة مليئة بالعقبات والصدمات والصعوبات.
ماذا علمكَ الفقد؟
الغربة قاسية، وكلما طالت زاد معها الحنين والشوق، فهناك بيت مشهور يتناقله الناس يقول:
“نقِّل فؤادك ما استطعت من الهوى
ما الحب الا للحبيب الأولِ
كم منزلٍ في الارض يألفه الفتى
وحنينه ابداً لِأول منزلِ”
لكنَّ الغربة علَّمتني الكثير، علمتني أنَّ العالم متنوع، وعلمتني كيف أقبل الآخر المختلف، وعلمتني أن الإنسان كائن يتكيف مع المحيط الذي يوضع فيه.
الغربة علمتني أنَّ الزمن له قيمة كبيرة لابد من استغلالها، وعرَّفَتني على ثقافات الشعوب وتقاليدهم وعاداتهم.
كما علمتني أن أعتمد على ذاتي، فعالم الغرباء قاسٍ.
الفقد والبعد علَّماني أن أعاني لوحدي، وأبث همي لنفسي.
تعلمتُ أيضًا من الغربة حكمة عظيمة ألا وهي:
“إذا حظيت بقلب يحبك بصدق يغنيك عن العالم كله ويعوضك عن كل شيء” كما يقول ابن الفارض
“وإذا صفا لك من زمانك واحدٌ فدع الأنام وعش بذاك الواحدِ”
– لديك أربع مؤلفات منشورة منها “الحلم المُقدَّس وأثره في تأسيس الدول وإشعال الحروب” حدثني عن ذلك الحلم المقدَّس الذي قصدتَه؟
وما هو أثر المؤلفات على مكانتك كإعلامي وصحفي؟
أدوات الإعلامي والصحفي هي الثقافة، فإذا اخترتَ لنفسك أن تكون صحفيًّا عليك أن تقرأ وتتابع، وتتسلح باللغة والتاريخ والقانون والأدب، وتتطلع على كل ما يدور حولك.
لدي مقال بعنوان “ماذا يعني أن تكون مثقفاً” أقول فيه:
“يعني فهما ً للأمور بتعمق كامل وتسليحا لذاتك بالرقة والحساسية وأن يعيش المبدأ في دمائك ويغتسل في عروقك، كما أن الإعلامي المثقف يجب أن تكون له القدرة على حمل المسؤولية والمواجهة، فالمجتمع يمنحه شرف التصدي للظلم، فالثقافة مسؤولية إنسانية وليست ترفاً فكرياً”
-حدثني عن مؤلفاتك و كتبك المنشورة؟
كتبت هذه الكتب في أوقات مختلفة، الأول في الاقتصاد وهو رسالة ماجستير مقدمة الى جامعة روتردام،
كتبته عام 2006 م
والثاني هو عن “ولاية المرأة في الإسلام” عام 2005، والثالث كان عن الحلم المقدس عام 2012م،
والرابع عن العلاقات العراقية البريطانية، وهناك كتب اخرى في طريقها للنشر
– كمُحلِّل سياسي، هل ترى أن الكتابة قد تخدم المجال السياسي وتطوراته كالإعلام المرئي والمسموع؟
التحليل السياسي هو مزيج من المعلومة والاحتمال، لا يمكن للمحلل السياسي أن يقدم تحليلاً دقيقاً أو قريبًا من الواقع من خلال الاخبار الرسمية فقط، ويجب أن تكون مصادره موثوقة، وألَّا ينقل معلومة دون تمحيص.
فالصحفي هو الكاتب الرصين والمحلل الدقيق.
التحليل ليس عملية إنشاء وانتقاء للكلمات، بل هو أرقام وإحصاءات ومعلومات ووثائق.
– كإعلامي، ما رأيك بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع بشكل عام؟
عالمنا اليوم هو عالم مواقع التواصل الاجتماعي، فبالحقيقة نحن مواطنون في عالم التواصل ولدى كلٍّ منا رقم وبطاقة تعريفية.
مواقع التواصل لها تأثير كبير على صناعة الرأي العام، كما أن لها تأثير على توجهات الناس الفكرية والعقائدية والاجتماعية، وحتى على صعيد الذائقة الخاصة.
مواقع التواصل “مالئة الدنيا وشاغلة الناس”!
– في إحدى مقالاتك استخدمتَ قولًا لآينشتاين:
“كلما زادت المعرفة نقص الغرور، وكلَّما قلَّت المعرفة ازداد الغرور”ما مدى تأثير هذا القول على ما يعيشه المجتمع العراقي اليوم بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام؟
سأذكر لكِ بيتاً للمتنبي يختصر الجواب:
“ملء السنابل تنحني بتواضعٍ
والفارغات رؤوسهن شوامخ”
الغرور صفة ملازمةً للتافهين، الواثقون لا يحتاجون للظهور كي يسجلوا حضوراً إنسانياً،
نتاجهم وإبداعاتهم هي من تدل عليهم.
الشاعر الفرنسي “آثر رامبو” مات وهو في السابعة والثلاثين من عمره، وخلَّف ست قصائد عظيمة وأعمال كبيرة، توقف عن الكتابة وهو في العشرين، ومع هذا سجل اسمه في التاريخ.
“قل كيف عاش ولا تقل كم عاش
من جعل الحياة الى علاه سبيلًا”
المجتمع العراقي والعربي يعيش في ثقافة الظواهر الصوتية، والفن الذي يذهب إلى الفراغ، عالم مليء بالزيف،
حيثُ أنَّ الجمال مزيف والتدين مزيف والفن مزيف، والوطنية مزيفة، لذلك من الصعوبة أن تبحث عن الصدق والنزاهة لأننا نعيش في عالم مغرور ليس فيه تراكُم جِيلي، بل على العكس من ذلك فهناك قطيعة جيلية.
فالغرور آفة تنخر في جسد المبدعين والسياسيين والمتدينين وغيرهم.
– في مقال قرأته لك بعنوان “كيف تستثمر النفاق؟” ذكرتَ أنَّ المُتملِّقين والمنافقين الذين يُطبِّلون ويُزمِّرون لمن يؤَمِّن لهم مصالحهم الشخصية يَجنون النتائج “أموالًا” ويصنعون من نفاقهم فنًّا.
برأيك، هل يمكن القضاء على هذه الظاهرة والحد من صناعة المزيد من الأصنام؟ وما هي الطريقة لذلك؟
ظاهرة النفاق لا يمكن القضاء عليها إلا بوجود القانون ونظام العدالة والصدق، عندها لا يحتاج الإنسان إلى النفاق، بل يأخذ ما يستحق ضمن نظام الاستحقاق الطبيعي بكل المجالات.
– هل تعتقد أن الصحافة قد تندرِج تحت مسمى “الهِواية”؟
الصحافة مهنة وهَمّ، وليست هواية عابرة، قد تكون في البداية هواية ولكنها تتحول إلى حِرفة لها أدواتها وقواعدها، وهي عِلم له نظريات ومُنَظِّرين.
وكيف تتم عملية التطور ضمن سلَّم درجاتِها للوصول إلى لقب “صحفي” باستِحقاق؟
صفة الصحفي ليست مرتبطة بالتدَرُّج كما هو حال الوظيفة، الصحافة التي أعني بها ليس تحرير الخبر أو التقاط الصور أو نقل خبر معين.
الصحفي هو صانع الرأي العام، وصناعة الرأي عملية إبداعية، فهي القدرة على إنتاج الأفكار وتزاوجها.
– ماهي مميزات الصحافي الناجح من وِجهة نظرك؟
الصحفي الناجح هو الصحفي المثقف، الذي يلتقط ما لا يلتقطه غيره، فهو يثير المواضيع التي تلامس الناس وهو القريب من الشارع وهمومه.
– كل مهنة تُقدم لصاحبها الكثير من الأشياء التي لم يتصورها بغض النظر عن المكانة والنجاحات.
ماذا قدَّمت لك مهنتك ككاتب وصحفي ومحلل سياسي على الصعيد الشخصي؟
قدمت لي الحلو والمر، قدمت لي الكثير وسلبت مني الكثير، كانت في كثير من الاحيان على حساب عائلتي وبيتي.
قدمت لي أيضاً المتعة الروحية وأرضت غروري الشخصي.
– لكل إنسان رسالة يسعى إلى إيصالها لمجتمعاته من خلال أعماله. ماهي رسالتك؟
رسالتي هي أن أرى وطني وأهلي بخير، أن أرى العالم بلا حروب، أن أرى الحب ينتشر بين الناس، وأن تُقبَرَ الطائفية وينتهي مُرَوِّجوها.
– كلمة أخيرة؟
أتمنى لكم مزيد من النجاح والتألق في عالم الصحافة، كما أتمنى أن أرى أجيالًا صحفية مثقفة .