ما هو هذا الضمير الذي يؤنبنا كلما أخطأنا ؟ وما هو هذا الضمير الذي يكون غائبا حيال جريمة مروعة ؟
أية مقارنة بين الضمير الواعي والضمير الغائب ؟
ان الضمير هو احساس في الأعماق يحرك جوارحك كلها في موقف من المواقف الحرجة ، انها اللمسات الانسانية التي تراود النفس والبدن في آن واحد .
فها أنت يروعك مشهد حزين لتذرف الدموع ، وها هو لم يكترث لما يرى في هذا المشهد .
ها أنت صرخ فيك ضميرك لتكون مناصرا للضعيف والمظلوم ، وها هو سكت ضميره فلم يهتز ولم يرتعش .
لعلك في ساعة ما تكون غاضبا فترتكب حماقة بحق أحد ، غير أنك حينما ترقد على سريرك ليلا لتنام تراودك الصورة لتكون أنفاسك ثقيلة وكأنما جرحت جرحا شديد الوطأة ثم لتعترف في قرارة نفسك بأنك أخطأت .
انه حساب الضمير لمن في قلبه شيء من الرحمة ، أجل حساب الضمير الذي يوقد فيك شرارة الدفء والود .
أما اذا لم يخالجك هذا الشعور حينما ترتكب الأخطاء مع من تتعامل معهم فان ضميرك يكون غائبا عنك ولن يكون له صدى في كل ما تفعل من اساءات .
ان هذا الضمير هو العلامة الفارقة بين انسان وانسان ، انه هو الصدى لردة الفعل التي ترافق مشاعرك كلما هممت بعمل فيه رضا للناس أو فيه أذى .
كلنا نخطأ ولا بأس في ذلك ، غير أنه وجب علينا أن نعترف بالخطأ ، أما من أصر على خطئه وأبى أن يعترف فهو المكابر الذي ركبه الغي والجهل والشر .
من لا يرق قلبه لمسكين أو يتيم أو مظلوم فان ضميره عنه غائب ، ومن سرق مالا فانه تنكر لضميره ، أما من أهدر دما وقتل نفسا بريئة فان ضميره ليس غائبا عنه فحسب بل سحقه بقدميه .
كيف ينام قرير العين من اغتال حياة انسان ! كيف وضحيته تصرخ من ظلم قاتلها !
هل تجرد القاتل من أي احساس فلا صدى لصرخة ضمير ؟
ترى أهي أزمة ضمير ما نراه اليوم على الساحة من جرائم تهدد كيان المجتمع وأمنه واستقراره ! أم هي حالة طارئة خلفتها آثار الاحتلال !
ان أزمة الضمير هي بعبارة أخرى أزمة أخلاق ، وأن أخلاق كل مجتمع مرهونة بأسباب قد يطول الحديث عنها ، ولكن سلامة المجتمع تأتي أولا من التربية التي تزرع القيم العالية بما فيها من حب وتضحية ووفاء .