تمتع العراق بكثير من المميزات، التي جعلته مختلفا عن بقية البلدان والشعوب، التي تحيط به فضلا عن البعيدة عنه جغرافيا وثقافيا.
هذا البلد مرت به كثير من النوائب والمحن، التي إنعكس أثرها على مزاج أبناءه وسلوكياتهم، فالمشاكل قد ضربت اطنابه وتشعبت تفاصيلها، لتشمل كل جزئيات حياة الفرد العراقي.. ولعل الحديث عن بيان جزء بسيط منها يعد هدرا للوقت والجهد، كونها واضحة للجميع.
الحديث هنا ليس الغاية منه استقصاء الأحداث منذ قرون او عقود، بل هو محاولة لتسليط الضوء على عقدين من الزمن الذين اعقبا سقوط نظام البعث، والظروف الصعبة التي واجهت تأسيس العملية السياسية، التي حلت بديلا لدكتاتورية العقيدة الواحدة والرمز الأوحد، بعد ان نجحت محاولات العراقيين في تمردهم على سطوة العائلة الغاصبة، التي حكمت البلد بالحديد والنار.
ربما يقول قائل ان وجود العامل الخارجي وأثره في التغيير، يحول دون تجيير المكتسبات لصالح العراقيين، ولتفنيد ذلك لا بد من تبيان بعض الأمور التي إلتبس فهمها على كثير من الناس.
ان الإجابة على التساؤلات من هكذا منحى، يجب ان تكون موضوعية ومنطلقة من رؤية واقعة للأشياء، اذ لا يمكن إنكار دور العوامل والمؤثرات الخارحية في إسقاط نظام البعث وتخليص الشعب منه، لكن تلك العوامل اخفقت في إقناع المحيط الاقليمي، بمظلومية الشعب العراقي وعدالة قضيته، وفشلت في استحصال الدعم اللازم للتجربة الفتية.
كذلك يمكن القول ان العامل الخارجي، ربما كان احد العناصر السلبية في تعزيز الطائفية وتغذيتها، والتعامل معها كواقع يصعب الخلاص منه، وبالتالي فشل في ردم الهوة بين مكونات الشعب، التي شهدت فيها السنوات الأولى التي اعقبت سقوط النظام، صراعا دمويا بين المكونات، راح ضحيته العديد من الأبرياء، فيما تقاسم تجار الدم مكاسيهم على طاولة التفاوض.
للانتكاسة أسبابها بطبيعة الحال، ولم يكن الصراع الفكري والطائفي والسياسي سببا وحيدا لها، فقد كان الفساد والطبقية والمحسوبية، كلها أسباب دفعت نفسية الفرد العراقي، لان تقف على مشارف اليأس قبيل الهجوم الداعشي، واستباحته لمساحات واسعة من الأرض العراقية، ليقف العالم مذهولا من أثر صدمته، مما آلت اليه الأوضاع، وماهي الخطوة الأولى لخلاص العراق من هكذا مأزق.
هنا جاء نداء النجف الاشرف ليصك الاسماع، ويكسر الصمت العالمي، بتوجيه الناس بضرورة حمل السلاح لمواجهة هذا العدو، في فتوى أسطورية حري بالتاريخ أن يسجلها باحرف من نور، وله ان بفخر بها كأحد اهم أحداثه.
أنتهت الحرب وزالت الغمة ليعود الوضع الى طبيعته، ويبقى العراق الممتحن ذلك البلد المختلف عن غيره، في تداوله السلمي للسلطة، عبر ممارسة يكاد وجودها أن ينعدم في بلدان مجاورة، لا يجد مواطنوها حريتهم في إختيار من يمثلهم في البرلمان والحكومة، عكس العراقي الذي احتكم لدستور يحدد له نظام حكمه، ويمنحه فرصة التعبير عن الرأي، ويشعر جميع أبناءه بضمانة تمثيلهم في مختلف المؤسسات الدستورية.
لم تكن الأمور بمستوى عال من المثالية، كتلك التي يسوقها كتاب السلطة في الأنظمة القمعية، بل كانت هنالك كثير من المنغصات والنكبات، بين أرواح تزهق واموال تهدر، لكن بالقدر المتيقن أن العراق يعيش في بحبوبة نصر لم يعهده من قبل، اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار كل المشاكل والمعوقات، التي أشرنا اليها باختصار شديد، ولا ننسى محاولات البعض في إستثمار الأزمات، واللعب على المتناقضات، في محاولة مصادرة حق المكون الأكبر، في التصدي لإدارة الدولة، بعد ان سخرت لذلك الاقلام والفضائيات، التي نجحت في دفع المغرر بهم، الى محرقة مجهولة النتائج، لولا الدور البارز لعقلاء القوم والحريصيين على مصلحة البلد، في سحب البساط من تحت أقدام أرباب المصالح .