حينما يكتب المختصون وذوي الخبرة في الموارد المائية؛ فذاك من حرصهم على أن تدار الأمور بشكل صحيح وربما حاولوا دائما أن تكون كذلك ولكن العمر أو الظرف أخرجهم خارج المجرى ولم يحققوا الكثير اللهم خبرة لا يهتم بها وصوت بح فلا يسمع وان سمع فلا يفهم.
لا ازعم أن ما يطرح ذوي الخبرة والاختصاص هو حلول ناجعة؛ بل غالبا ما يكون طرحهم استعراضا وصفيا للمشكلة ويخلص الكل في كتاباته طالت أم قصرت إلى عبارات متعددة الصياغة، “أن البلد بحاجة إلى مراكز دراسات” وليس مركزا واحدا يتعامل مع مخلفات الماضي وركود الحاضر لما سنواجه بل نحن فعلا نواجه منذ بضع سنين.
البلد يعاني من فقر إداري متراكم ونبرات نشاز عدمية لمعالجة المشاكل وصوت عالي دون أن يملك البلد مواجهة تبعات هذا الصوت وصداه، ومازالت خيارات المسؤولين لمستشاريهم أو من يكونون في مواضع الدراسة والقرار ترتكز على الولاء والطاعة وراحة البال وتبرير الأمور ولا نرى معالجات أو أفكارا لعلاج موضوع لن يحل مع مرور الزمن وإنما تتعاظم مشاكله وتلتف على بعضها بعقد سيكون يوما ما هنالك استحالة لحلها دون دفع أثمان باهضه، فإبقاء الوضع على ما هو عليه والزمن يمشي والمحيط يتطور؛ هو قرار ألاّ يصنع قرار سواء عن علم وتفضيل السلامة بالسكون أو عن جهل لضعف مؤهلات من وضع موضع القرار وغالبا ما تجتمع الحالتان، وتبقى الحاجة قائمة لبناء ما كان ينبغي بناءه منذ زمن لعلنا نتدارك الأمر.
الإبداع العلمي
ليس من النجاح أن يدخل الماء من الشمال ليخرج من الجنوب أو نراه وقد امتد إلى الضفاف فنرتاح نفسيا، المهم ما نفعل بهذا الماء، وان كان الوقت والعراق يمر من حصار إلى مشاكل داخلية وخراب بينما الآخرون مشغولون في بناء بنيتهم التحتية، وربما تركيا التي دوما يركز الكتّاب عليها في المياه بحكم أن الكمية الكبرى تأت من منابعها رغم أنها لا تمثل اكثر من 20 بالمئة من مساحة الحوض لكنها الأوفر بالينابيع والثلوج، هذه الدولة بدأت من نمو تحت الصفر عام 2002 لتكون الآن ما نراها وهذا ليس اعتباطا وإنما هنالك خبراء تداولوا المهام ليرتقوا بهذا البلد صناعيا واقتصاديا، وأما المياه فقد استشرفوا ما يحصل منذ زمن بعيد فبنوا السدود ذات المهمتين، الخزن عند الوفرة، وجمع ما يمكن وبتوزيع جغرافي يخدم اجتماعيا واقتصاديا البلد واستقراره عند الشحة، ومازال دجلة يجري والفرات في العراق ونقف حائرين يهددنا الطوفان بالأمطار، ذلك لان البنية التحتية غائبة مع توسع للمدن بلا ضوابط وترك القرى خاوية لأنها تحت وطأة الظروف أضحت مكانا ليس صالحا للعيش، وهذا له اثره من الناحية البيئية والاجتماعية والاقتصادية بل العراق بلا إنتاج عمليا، ولابد أن تعود الناس لأماكنها وهي تحمل معها مشاريع تفيد الأمن الغذائي للبلد من ثروة حيوانية وزراعها ومصانع تقوم عليها…. لماذا اذكر هذا؟ لان هذا كله لا يأتي بلا ماء، والماء لن يأتي بشتم الجوار أو انتقاد من حول المجرى كحل غريب لن ينفع على المدى الطويل أو خزن المياه وهي تتجه نحو الجفاف…… حوض دجلة والفرات يحتمل تعرضه للغياب، ويحتمل أن يفيض فلا توجد ملامح دراسات تبت في هذا اللهم إلا من يفكر بعقلية المنجمين، ولا تعاون واضح بين دول المنبع والمصب ولا اتفاقيات عدى اتفاقية الجزائر 1975، وبغض النظر عن الاتفاقيات فالظرف الآن يهدد الجميع ولابد أن يتعاون الجميع لحله، الوزارة في أي فرع من فروع الطاقة، النفط ، الكهرباء، الماء، ليست وزارة وظيفية وتمشية أعمال يومية، وإنما هي وزارات استراتيجية للبلد وقيام دولة، المشاريع فيها لا ينبغي الحديث عن صيانتها إلا عندما تبلغ ما صممت له، وإنما الحديث ينبغي أن يكون عن علاج وحلول لتأهيلها لمهمتها، العراق تخلف كثيرا وضاع منه وقت كثير عن دول تقدمت بلا نفط والنفط ما لم يستثمر طاقة مهدورة، لذا فنحن نحتاج إلى قادة مبدعين قادرين على العمل بروح الفريق وتحويل الموارد البشرية إلى موارد منتجة اهتمامها بالإنتاج ورقي البلد.
من هذا الملخص نأتي إلى امر جامع، نحتاج ببساطة إلى رؤية واضحة وتعاون حقيقي بين الدول الأربعة، وربما أن تكون معها دول الخليج والأردن للقيام بتخطيط لمشاريع استراتيجية تواجه الوضع الغامض القادم وكشف غموضه بتعاون بين هذه الدول….. إذن لابد من قيادات مبدعة ومراكز دراسات حقيقية منفردة ومشتركة، وفضاءات التكامل في إدارة الموارد المائية والطاقة عموما لان ما يقال اليوم لا أستطيع أن أقول انه علما أو حلولا وإنما في أحسن أحواله تشخيص، وما خلا ذلك من خيارات فهي عدمية العجز عن إيجاد الحلول وتنجيم.
{ مهندس استشاري