كان العراق الدولة الأولى بمنطقة الشرق يتمتع بحركة عمالية نشطة وباسلة ، وكانت كل القوى السياسية تتقرب من العمال بغية الوصول للصفة التقدمية اليسارية ، ومنافسة الحزب الشيوعي العراقي في الحضور العمالي ، وقد شهدت سنوات الستينات منافسات حادة بين التيار القومي والحزب الشيوعي في تحقيق مكاسب والسيطرة على قيادة العديد من النقابات العمالية ، حيث تمكن الشيوعيون من النجاح في نقابة الميكانيك حيث كانت هذه النقابة من بين اهم النقابات في العدد والتأثيرات النضالية ، فيما سيطر القوميون على نقابة السواق بقيادة المناضل القومي الكرخي صادق أبو رقيبة ، وظل التنافس السياسي السلمي مستمراً في عهد الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن أبناء عارف ، وكان نظام عبد الرحمن اكثر استقراراً واوسع مساحة لكل القوى السياسية بما فيهم البعثيون ، وقد جرت الانتخابات على رئاسة الاتحاد العام لعمال العراق وفاز فيها المرحوم هاشم علي محسن وهو من ابرز القيادات القومية التقدمية ، وتمكن هذا الرجل من تحقيق نجاحات مهمة للعمال في القطاعين العام والخاص من حيث زيادة الأجور والحضور السياسي للطبقة العاملة العراقية في المحافل الوطنية والعربية والدولية واصدر جريدة باسم ( صوت العمال ) وكان يشتغل في عمليات التحرير العديد من القيادات القومية منهم امير الحلو وعلي شاغاتي ونوري نجم المرسومي ووعمر بجاري نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال وكنت انا كاتب هذا الموضوع انقل اخبار الاتحاد والنقابات للجريدة مقابل اجر زهيد في ذلك الوقت .
وتطورت الحركة العمالية النقابية العراقية ومعها التيار القومي العروبي وانتخب هاشم علي محسن اميناً عاما لاتحاد العمال العرب وسكرتيرا و مسؤولاً في الاتحاد الدولي لعمال العالم ، وكان العراق وحركته النقابية سباقا في الوقوف مع الحركات الوطنية التحررية العالمية سيما في اسيا وامريكا اللاتينية ومع نضال الشعب الفيتنامي والثورة الكوبية ، وبلغ العمل العمالي العراقي ذروته بين عمال العالم من حيث الحضور والفعالية والتأثير الوطني والقومي وكانت القضية التحررية الفلسطينية في قمة الاهتمامات والمساندة الفعلية .
وبعد انقلاب البعث على الرئيس المسالم عبد الرحمن عارف ، تغيرت خارطة العمل العمالي واستولى البعث بدون انتخابات على الاتحاد العام لعمال العراق بالقوة حيث شاهدت في تلك الفترة مجيء القيادات والكوادر البعثية على راسهم الدليمي للسيطرة على الاتحاد ، وابلغهم هاشم علي محسن بضرورة اجراء انتخابات عمالية ومن يفوز يقود الاتحاد ، لكن ذلك لا يفيد البعثيين في السيطرة على الاتحاد ، وحين ذلك الوقت تم اعتقال العديد من القيادات العمالية القومية والشيوعية وهرب منهم من هرب وانتهت الحركة العمالية العراقية واصبح العمل فيها جزءً من نشاط وفعاليات السلطة القائمة ، والأكثر ضربة للعمل النقابي العمالي حينما اصدر نظام البعث قرارا بتحويل العمال الى موظفين أراد من هذا القرار تقييد الحركة العمالية النشطة ومنعها من الاختيارا ت في العمل السياسي والحزبي .
وبعد الاحتلال أصبحت الحركة العمالية واحدة من جيوش العاطلين عن العمل ، وان كل الأطراف السياسية الراهنة عدا الحزب الشيوعي لم تهتم بقضايا العمال وحقوقهم إلا ماندر وهم الان في محطة الانتظار مثلهم مثل العديد من الطبقات الشعبية العراقية ، فهل من الممكن ان يحظى عمال العراق بالحقوق والمساواة مثلهم مثل شيوخ العشائر والقبائل المشغولة بالتدافع ..؟