الكاتب محمد حميد رشيد

 

يفترض بالأحزاب الطائفية أن تحقق مصلحة الطائفة وتغلبها على مصالح الطوائف الأخرى ودرجة نجاحها الحقيقي في كسب أتباع الطالئفة إلى صفها وهي (دائماً) تلزم نفسها بخطاب (عقائدي ديني) يفرض عليها إلتزامات دينية وأخلاقية قد تتعارض مع مصالحها السياسية ولكن كونها (أحزاب عقائدية) فهي تغلب المصالح العقائدية والطائفية على المصالح السياسية

 

وهي بهذا بالضد من (مكافيلي) ويكفرون من يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة ولكي تستطيع النجاح في الأنظمة الديمقراطية عليها أن تحقق درجة من النجاح السياسي تؤهلها للبقاء داخل الصراع السياسي الديمقراطي الذي يعتمد على قبول الناس لها وإقتناعهم بهم.

لكن من دلالات ما حدث في العراق يعلن وبكل وضوح فشل الاحزاب الطائفية عقائدياً وسياسياً في نفس الوقت ولكنها نجحت بشكل ساطع في تكوين طبقة من القادة الرأسمالين الجشعين (الملياريين) الذين يضحون بكل ما في العراق من أجل مصالحهم ومكاسبهم المليارية ولن تجد واحداً من بين قادتهم السياسيين فقيراً (كابي تراب) عليه السلام وجميعهم تخلوا عن إنتمائهم وواقعهم الطبقي القديم إلى طبقة تعج بالملايين وبالحمايات الأسطورية ! ؛ كما نجحوا في خلق جيش موازي لجيش الدولة مهمته حمايتهم وحماية مكاسبهم الحزبية!.

وبالعودة إلى (بعض) ما حدث في العراق خلال المرحلة السابقة وما يحدث الآن في ميسان نجد مصداقية فشلهم السياسي كما نجد مصداقية فشلهم الديني (العقائدي) الطائفي ؛ فبعد فشلهم في إحتواء ما حدث في المحافظات الغربية والشمالية وجزء من بغداد أواخر عام 2013 وبديات 2014 فرغم أنهم أستطاعوا (قمع) إنتفاضة المحافظات الغربية إلا أنهم هيئوا الأجواء المناسبة لسقوطها بايدي داعش الإرهابي وحدوث فجوة بين السلطة وابناء تلك المحافظات التي سيست بالحديد والنار وتهجر ابنائها في معسكرات ومخيمات النزوح (لازال قسم منهم لغاية اليوم).

لكنهم فشلوا في قمع التشرينين عام 2019 والتي تركزت في المحافظات الوسطى والجنوبية وفي معاقل تلك الأحزاب وإنطلقت بعدها شرارة الوعي التي تخلقها دائماً الأنظمة القمعية ولن ينجح السلاح والقمع إلا في خلق ردة فعل واعية ضد العنف وضد السلاح ؛ ولن تولد وحشية الشخصية الإجرامية المعقدة الموتورة المتخلفة إلا شخصية مسالمة تكره العنف وتجنح للسلم وتكره كل من يقف خلفه. بل أسقطت حكومة عادل عبد المهدي وفرضت الإنتخابات المبكرة التي تعني فشل الأحزاب الحاكمة في إحتواء الشعب وأن الشعب الذي سبق أن أنتخبهم أصبح يرفضهم لكن الأحزاب (الحاكمة) لم يتوصلوا إلى تلك البديهية ولم يتصوروا أن عليهم الآن أن يغادروا السلطة التي (إستملكوها) طيلة ثمان عشر سنة من السرقات والفشل والإرهاب والإرهاب المضاد والقتل والجريمة ويتركوا الأمتيازات والرواتب الخيالية والصلاحيات المجنونة… ولانهم لا يؤمنوا إلا بالقوة والسلاح وأعتقدوا أنهم يستطيعون فرض أنفسهم بما يمتلكوه من قوة جاءت نتائج الإنتخابات (بين المقاطع والمشارك) (أفضل إنتخابات بعد 2003م) لتعريهم أمام شعبهم لكنهم لم يتمكنوا أن يروا عريهم وفضيحتهم بل هم لم يتصوروها وكانت صدمة أبوا أن يصدقوها لأنها كشفت حجمهم الحقيقي ولم يجدوا غير السلاح والعنف لغة لتكفل لهم البقاء في السلطة بعد أن عاد الوعي للشعب وبداء يرفض المرحلة السابقة بكل فسادها وكل قادتها الذين اعتقدوا أن الدولة ملك للأحزاب وفقدت الأحزاب عقلها ووعيها فعادت إلى هستيريتها رافضة نتائج الإنتخابات بل ورفضوا الديمقراطية التي جردتهم من مناصبهم وأمتيازاتهم وأعتبروها حق أزلي مكتسب وإستحقاقات غير قابلة للزوال !! وإنهم الممثلين الوحيدين للطائفة وإن الطائفة تزول بزوال فسادهم وفشلهم ولم يجدوا ما يعبرون فيه عن رفضهم لنتائج الإنتخابات التي رفضتهم غير السلاح الذي اتقنوا حمله وفهموا لغته ولا يمكنهم تصور شعباً يرفضهم ! حتى جاءت أحداث ميسان الدامية و وجد السلاح نفسه أمام سلاح مثله وربما أقوى منه ولم يتبادر إلى ذهنهم حجم الترويع الذي يسببه للناس وفقدت ميسان السلام الأهلي والإجتماعي لأيام وحل مكانه السلاح وترويع القوة وكانوا متمتعين به وفقد الناس أمنهم وعاشوا برعب القتل والدم والنار في صراع ليس للشعب ناقة فيه ولا جمل لكن تلك هي ثقافتهم التي أصبحت بائدة وممجوجة والتي بداء الشعب يرفضها ويمقتها وبهذا زادت كراهية الناس لهم كما زاد رفضهم السابق لهم إذ إنشغلوا بمناصبهم وإمتيازاتهم الشخصية وتقاتلوا من أجلها فكانت معركتهم المصيرية الكبرى والوحيدة. ورغم أنهم يدعون انهم أحزاب عقائدية إلا أنهم تخلوا عن عقيدتهم إلى إنتمائاتهم السياسية والحزبية ولم يفكروا بعرض منهاجهم العقائدي ويسعون لكسب الناس له ويتخلون عن مطامعهم الدنيوية إلى مطامعهم بإرضاء الله عزوجل وإن المعركة الإنتخابية الحالية لن تكون الأخيرة وأن يقتربوا من الشعب عبر (إستحقاق إنتخابي) يخولهم بالذهاب إلى المعارضة البرلمانية ومراقبة وتطوير إداء الدولة وخدمة الأمة من خلال تواجدهم البرلماني وعموم الشعب العراقي يميل للمعارضة أكثر من ميله للحكومة ؛ بل أنهم أثبتوا عدم إيمانهم بالديمقراطية إلا بالقدر التي تمنحهم (الإستحقاقات المناصبية) وهم بعيدين كل البعد عن التدحيات الحضارية والإقتصادية التي تواجه البلد وهم غير معنين بالسلم الأهلي ولا بمستقبل العراق الذي يتطلب تظافر الجهود وتوفير البيئة الآمنة للإستثمار والذي فشلوا في تطويره وخدمته بل فشلوا في توفير الحد الأدنى من الخدمات ومن البنية التحتية وساهموا في نهب ثرواته وتمزيق مجتمعه. بل ان بقائهم في السلطة خطر محدق بالمذهب لأنه يعطي صورة بائسة لا تمت للدين بصلة هم اصبحوا سبة على الطائفة.

إن لم تتغير رؤية الأحزاب الحاكمة وتتخلى عن المنظور القديم الذي يعتبر أن التغيير يكون عبر السلاح والقوة وإن الناس سئموا خطابهم كما عرفوا فسادهم وإن خطابهم العقائدي مهدد لتخلفهم عن فهم حقيقة الصراع ليس بين الأحزاب ولكن بين الشعب والأحزاب وأن العالم اليوم غيرعالم الأمس وأن عالم المستقبل سيفرض نفسه ولم يعد خطاب القرون الماضية وثاراته المتخلفة ذا نفع أو جدوى فكيف بخطاب فشل في فهم جذوره وتنازل عن أخلاقياته كما فشل في فهم المتغيرات الحضارية وأن حقيقتهم أنهم ليسوا إسلاميين بالمعنى الحقيقي للأسلام وليسوا بدمقراطيين ولا علمانيين بل هم عصابات تقف خلفهم مليشيات لفرض إرادتهم وسرقة ثروات البلاد بلدهم وإن المستقبل ليس لهم بكل تأكييد وأن العنف والسلاح أضعف من أن يواجه تحديات المستقبل التي لم يفهموها !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *