منذ بدأ الخليقة واغلب شعوب الارض لم ترى السلام ولم تنعم بالامان والاستقرار التام افراداً كانوا او جماعات ، وكأن القدر قد فرض عليهم بأن تكون المعاناة متلازمة مع تلك الشعوب والقوميات والاثنيات ، وكأنها توأم سيامي متلاصق معهم لايمكن فصلهم بسبب تباين واختلاف طبيعة النضوج الفكري الموجود في العقل البشري والشوفينية المفرطة للكثير من الحكام ، وبطش الانظمة الدكتاتورية والاوتوقراطية المتسلطة التي تتعارض معهم في الميول والانتماءات العرقية والعنصرية ورفضهم لمبدأ قبول الاخر ، التي استغلتها قوى الغطرسة والاستكبار لاجل الرقص على جراح الشعوب المستضعفة تحقيقاً لغايات ومصالح سياسية مسمومة.
“افاشين” Avashin ربما هي ليست الاغنية الكوردية الوحيدة التي طرقت مسامعي ، التي أثارت شجون جمعت في الحانها الكثير من ذكريات الظلم والقهر والالم والاصرار على تغيير الواقع والخلاص من الهولوكوست الفاشستي ، وتفاءلها بما سيجنيه الصبر والمطاولة لتكون بمثابة مطرقة تدق اوتاد المبادئ الحرة الرامية السامية والنبيلة ، في وقت قل فيها الحافز لتحقيق الطموحات المشروعة في الحرية والاستقلال ، وجعلت منها انعطافة تاريخية مؤثرة تضع بصمة حقيقية لديمومة الحياة واستمرارية الوجود ، واثبتت بأن لا صوت يعلوا على صوت الكرامة ولا قدسية تعلوا فوق تقديس النفس البشرية التي كرمها الله ،رغم اختلاف الافكار والعقول والمشارب العقائدية والتوجهات والايدلوجيات السياسية والدينية ، لان استلهام الدروس واستخلاص العبر سيترجم حرفياً من خلال تمرد الانسان على الواقع والطغيان واصراره على مقاومة الظلم والاضطهاد ليتنفس من خلاله طعم الامل ورائحة الشموخ بدلاً من البارود.
من الطبيعي جداً ان تأخذ الحركات التحررية زمناً طويلاً لتحقيق جزء من طموحاتها واهدافها وتطلعاتها المشروعة الرامية للحرية والاستقلال ، ابتداءاً من الثورة الفرنسية ١٧٨٩ والثورة البلشفية عام ١٩١٧ ومروراً بالثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ وانتهاءاً بالثورة الكوردية عام ١٩٦٧ ، وتحديداً ماتعرض له الكورد الفيلية في عام ١٩٨٠ من عمليات تهجير وقتل ومذابح قد ادرجها البرلمان العراقي ضمن قوائم الابادة جماعية Genocide في القانون رقم ٩ لعام ٢٠١٩، ومروراً ببقية عمليات الانفال وحلبچة ومذبحة البارزانيين الذين عاد رفات ٥١٢ منهم من اصل ٨٠٠٠ معتقل ومفقود منذ عام ١٩٨٣ ،وانتهاءاً لما تعرض له الايزيديين في سنجار من قتل واغتصاب وتهجير على ايدي عصابات التكفير والارهاب في عام ٢٠١٤ .
يوم تناثرت اجساد المدنيين الكورد في الانفال لم ينبس المجتمع الدولي ببنت شفة ، ولم نجد هنالك اي شجب او استنكار او ادانة للنظام السابق بحق ماتعرضت له هذه القومية وحتى وان قلنا بأن ذلك قد حصل، فهو تحرك خجول لايرتقي للتعبير بحجم المأساة والجرائم الوحشية التي هزت الضمير الانساني، في وقت تنصل وتخاذل العالم والمجتمع الدولي بأسره ومنظمات حقوق الانسان الدولية عن تكثيف الزخم الاعلامي لذلك الهولوكوست ، الذي ستبقى رائحة الكيمياوي العالقة بين طيات الكتب المدرسية وصمة عار في جبين الانسانية اجمع ، وجبال كوردستان شاهدة على جريمة العصر رغم كل من يريد طمس الحقائق الانسانية.
انتهى …
خارج النص لابد من توحيد الرؤى والمواقف ودعم الاعلام للقضايا المصيرية لتجنب تكرار مسلسل الابادات الجماعية ..