الكاتب ناجح صالح
قال لي صاحبي وهو يحاورني :
– أرى أن لك من الأصدقاء قلة فما تعليل ذلك ؟
قلت له وأنا أكبره بأعوام :
– حسنا أنك سألتني هذا السؤال لأقول لك أن قلة من الأصدقاء الأوفياء خير من كثرة من الأصدقاء الذين لا جدوى من صداقتهم .
– كيف ؟ انني لم أفهم بعد .
– يا صاحبي أليس في الأمثال ( رب أخ لم تلده أمك ) وهذا يعني أن لك صديقا هو مشفق لك محب لك يخاف عليك مثلما الأخ الذي ولدته أمك يفعل ذلك ..فأين نجد مثل هذا الصديق ! أفي الكثرة التي تحيط بك أم في القلة التي أنت تختارها على ترو وحذر !
– حديثك منطقي .. وماذا بعد ؟
– نحن دائما ما يكون لنا زملاء نعرفهم حق المعرفة سواء في الزقاق في عهد الطفولة أو في المدرسة أو في العمل فيما بعد ، فهل نحسب هؤلاء كلهم أصدقاء ؟ بالطبع لا ، ذلك أن من سيكون لنا صديقا تتوفر فيه مواصفات نرتاح اليها وأنه يكون قريبا من طباعنا وسلوكنا بل انه أقرب ما يكون الى القلب ، وقد قيل في المثل ( الطيور على أشكالها تقع ) وهو مثل أقرب الى الواقع اذ ليس من المعقول أن تختار صديقا يغايرك في السلوك ويختلف عنك في الفهم والادراك .. اذ ما جدوى الصداقة معه وأنتما على طرفي نقيض تتجادلان وتتخاصمان طيلة الوقت ، وهذا لا يعني أن مواصفات الصداقة تتطابق فيها الأفكار والرؤى تماما ولا تعني أيضا أن تتوفر فيها أعلى درجات المثالية ، ذلك أننا بشر تركبنا أخطاء بين حين وحين ، وصديقك هذا الذي اخترته هو من يغفر لك وينصحك ويريد لك الخير كما تفعل انت ذلك معه ، انه في وقت الشدة لا يتخلى عنك كما هو في وقت الرخاء ، وفيا معك لا يغدر بك ولا يرتجي منك غاية يضمرها في نفسه ، لا يحسدك في مالك ولا في عافيتك .. يحبك لله فحسب ..
أما الكثرة من الأصدقاء التي تحيط بك فلا تدري كيف حالهم معك وأنت في ساعة عسر ، ألم يقل الشاعر : ما أكثر الاخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل .
أتريدني أن أتحدث أكثر من هذا ففي جعبتي الكثير منه .
رفع صاحبي الراية مستسلما وهو يقول :
– كفى بهذا درسا وعبرة وأن ما قلته الصواب .