تنطلق الفعاليات الحياتية من نقطة الشروع باتجاه الهدف المحدد لها والذي ببلوغه تنتهي المهمة الاساسية لها وفق مبدأ لكل بداية نهاية، وهذا لا يعني انتهاء المهمة وانما تؤسس الى بداية وانطلاقة جديدة لهدف اخر لتستمر تلك الفعاليات انسجاماً مع المتطلبات الاساسية للحياة البشرية.
وخلال عملية الانطلاق للهدف فأن الحاجة تكون مُلحة للمتابعة المستمرة ضماناً لعدم انحراف مسارها الاساسي وبالتالي الخطأ في بلوغ الهدف، وعند بلوغه فأن الحاجة تتجدد لمتابعة استقراره لتحقيق غاياته بدون تشظي او تعثر او الخروج عن مقتضاه.
ومن هذه البداية التعريفية البسيطة سندخل بصلب موضوعنا الاساسي وهو الاسرة والتكوين الاسُري والذي كما نعلم ان السلسلة التراتبية للأسرة المتكونة من الاجداد والاباء والابناء والاحفاد وهكذا حسب المسميات المتعارف عليها، والتي تتفاوت فيما بينها من ناحية العدد والتكوين والثقافة والترابط وكذلك متابعة الاجداد للآباء وهؤلاء يتابعون الأبناء، ونعني بالمتابعة اي انها في كل شئ بالتربية والسلوك والدراسة والتعامل وقد تستمر لدى بعض العوائل او تقل عند الاخرى وقد تنعدم تماماً عند عوائل اخرى.
خبرة حياتية
وهنا نركز على انعدام المتابعة! فالنضوج المفترض للفرد لا يعني الاستقلالية حيث تبقى حلقات الوصل دون انقطاع وذلك لأن الخبرة الحياتية تتغلب على النضوج الجسدي او الفكري او الثقافي حيث تستمر الحاجة لمن لديهم خبرة حياتية متراكمة.
اذاً الحاجة للمتابعة وكما تبدو مهمة جداً حتى في المراحل العمرية المتقدمة، وكما نشاهد اليوم ان بعض العوائل انتهت لديها الرقابة الابوية للأبناء بمراحل مبكرة جداً والتي ادت الى انحرافات حياتية وفكرية جعلتهم ينشؤون في عالم فوضوي ومشوش ومتشبع بأفكار خارجة عن المألوف قد تجعل منهم ادوات اجرامية سهلة المنال، بالمقابل يكون هؤلاء متغيري الافكار ومنحدرة الثقافة وارض خصبة للفعاليات الاجرامية.
وللأسف فأن هذه الظاهرة التي شهدت اتساع ملحوظ في جوانبها العديدة داخل المجتمع والتي ادت الى فقدان السيطرة على تصرفات الابناء من الذكور والاناث وزادت معها المشاكل المتعددة والمتكررة والشاذة في كثير من حالاتها واثرت بشكل او بأخر على النسيج الاجتماعي والثقافي واصبحت الافكار الشبابية في خطر.
لذا فأن الظهور المفاجئ للجرائم الحديثة والمبتكرة المنظمة منها وغير المنظمة وتعدد الوسائل البشرية المساعدة لها وسط مفاهيم دخيلة على مجتمعاتنا المحافظة ادت بالتالي الى اتساع دائرة فقدان السيطرة لدى بعض العائلات نتيجة تهور وسطوة الابناء وبالتالي وصول هذه العوائل الى مرحلة اليأس التربوي وانتهاء السيطرة عليهم ليأتي الدور الثانوي المتمثل بفرض الرقابة المجتمعية والقانونية من اجل اصلاحهم عنوة وتصحيح مسارهم الخاطئ واعادة السيطرة على تصرفاتهم وافكارهم وبم يضمن تحقيق الاهداف التربوية الرامية الى حُسن التصرف في المجتمع بعيداً عن الانحرافات التي رافقت مرحلة النضوج الفاقدة لرقابة الوالدين.
لذلك نحتاج الى السيطرة التامة على نشأة الابناء تفادياً للإشكالات المستقبلية التي من الممكن ان تجعل من هؤلاء الابناء ادوات ضارة للمجتمع وصولاً لتحقيق الاستقرار الامني المجتمعي.
{ استاذ مساعد لواء دكتور