الخير في الدنيا قديم، وأهل الخير قدامى، وما أكثر الحاجات التي تضطرك ظروف الحياة بتقلباتها الحاكمة إلى طلبها، وكانت العرب تقول: (لا تطلب الحاجات إلا من أهلها)، واستمر هذا القول متفردا بصحَّته وصالحا للتداول العام عبر كل ما مرَّ من السنين، واليوم فوجئت بمن يقول: (لا تطلب الحاجات ـــ حتى ـــ من أهلها)، وأقول: يا أخي ويا شقيقي، إذا كنت لا تطلب الحاجات حتى من أهلها، فأنت هنا كأنك تدعو للقطيعة بين الناس، وأنا أخاف ـــ تحت ضغط هذا القول ـــ أن تضطر إلى طلب الحاجات من غير اهلها، وهنا الطامة الكبرى، فالكرامة ستكون يومئذ على المحك، وعندها سأقول لك مضطرا: وا أسفاً عليك.
نعم، في الأصل، كان القول: لا تطلب الحاجات إلا من اهلها، وكان يتردَّد على ألسنة الناس ما قاله شاعر شعبي:
(خل نفسك بعز دوم بالك تذلها، لا تطلب الحاجات إلا من أهلها)،
وكان أبو العلاء المعري يقول:
النّاسُ للنّاسِ مِنْ بدوٍ ومِنْ حَضَرٍ بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يشعروا خَدَمُ
وورد عن الإمام عليً بن أبي طالب (كرَّم الله وجهه) قوله: ((اطلبوا الحاجات بعزة الأنفس، فإن قضاءها بيد الله))، فما أحرانا أن نتمسك بما تمسكنا به عبر أيامنا الماضية، ونغض النظر عن قول من قال: (لا تطلب الحاجات ـــ حتى ـــ من أهلها)، وكل هذا من غير أن ننسى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقضي الحوائج، فهو الذي قال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60 وهو الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير.