لايزال حلم بناء دولة مدنية يراود ادمغة الكثير من الناس المؤمنة بمبدأ المواطنة وبناء دولة المؤسسات، خصوصاً بعد الانتكاسات المتكررة التي تعرضت لها الأحزاب القابضة على السلطة في المراحل الماضية ، وفشل تجربتهم في اعادة كسب ثقة الاغلبية الصامتة واحتوائها لتصحيح المسار المتعرج المتبع في أدارة مفاصل الدولة ، وكل المحاولات التي قاموا بها لارجاع انفاس الأمل بقبلة الحياة واعادة النبض مجدداً برئتي العملية السياسية باءت بالفشل، نتيجة فقدان الشارع الثقة بجميع تلك البرامج والمشاريع التي قُدمت والتي لم ينفذ شي منها لناخبيهم على ارض الواقع.
تعتبر الفتره ما بين عامي ٢٠٠٦ – ٢٠٠٨ حقبه سوداء في تاريخ العراق الحديث واكثرها دموية ، لم تشهد البلاد حمامات دماء كالتي شهدها المشهد خلالها ، ربما نستطيع وصفه بالهولوكوست ،بعد ان وصل الاحتقان الطائفي في تلك الفترة لاعلى المستويات بفضل البعض من المحسوبين على السياسة وبسبب اجندات داخلية ودولية ارادت تحقيق اقتتال داخلي وحرب اهلية لاتبقي ولاتذر كما حدث في راوندا والبوسنة والهرسك. لم تبقى زاوية من زوايا المؤسسات الرسمية او الحكومية الا ودخلت اليها حمى الطائفية والجهوية والاثنية ، حتى بدأت العملية السياسية تسير بقدم واحدة وفي منعطفات خطيرة لم يأبه لها الانتهازيين المتصيدين بالمياه الضحلة، ادخلت البلد بنفق مظلم لم تعرف له نهايات واضحة ، ادى لانحسار وتقهقر لصوت المواطنة في وقت ارتفعت مناسيب اصوات المحاصصة الطائفية والحزبية التي مزقت النسيج المجتمعي ، بعدما قام الوصوليين وتجار الحروب والدين بتغذيتها فكرياً وعقائدياً من خلال تكفيرهم الاخر.
لم تثبت المحاصصة الطائفية بأنها قادرة على أعادة لحمة الصف الوطني او النسيج المجتمعي ، بعد ان كانت الهوة حاضرة بقوة وتوسعت على اثرها الفجوة بين النظام السياسي والجمهور ،الذي كانت تراهن عليه بعض الاطراف السياسية لكي يكون لهن رصيد جيد في الدورات الانتخابية اللاحقة ،فهي لم تثبت حتى لمن دكوا ركائزها بأنها الخيار الذي يتنشل ماتبقى من أشلاء للعملية السياسية ، وخصوصاً بعد أحتراق ورقة الذين ركبوا وراهنوا على ركوب موجة الاقصاء والتهميش والمظلومية وخسروا وجوههم من قبل قواعدهم الجماهيرية.
من الضروري جداً ان نذهب بعملية حسابية بسيطة لاعادة المراجعة وتقييم الاداء دون شخصنة للاهواء، والبدء بحركة تصحيحية قادرة على غرس قيّم ومفاهيم الدولة والمواطنة ، والخلاص من المحاصصة وتمكين السيادة وبناء دولة المؤسسات القادرة على الحفاظ وحماية القشرة الاساسية للنظام الديموقراطي بعد مرور عقدين من التغيير، نحن اليوم بامس لثورة توعوية حقيقية شاملة تُحدث تحوّلا فكرياً وثقافياً ناضجاً على مختلف الاصعدة والمستويات ، لبناء مجتمع خالي من العقد والامراض النفسية المتمثلة بالحقد والكراهية والعنصرية السياسية ، واقناع المطبخ السياسي بفكرة تبني الوعي الديموقراطي لنشر ثقافة التسامح والعدالة الاجتماعية وحرية المعتقدات والأديان والايمان بالعنوان الرئيسي لهوية الافراد مع احترام العناوين الفرعية للمكونات، كمجتمع يدعوا الى بناء دولة مواطنة فاعلة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية المستندة الى دستور يضمن حقوق متساوية لجميع ألافراد بغض النظر عن الانتماءات والميول القومية والدينية، ولترسيخ قناعة تامة بأن الفشل هو ليس بمثلبة او عاهة مستدامة تلتصق بالفرد ، بقدر ماهي تجربة نتعلم منها كيفية أدارة الدولة للارتقاء بواقعنا على غرار تجارب العالم المتحضر.
انتهى ..
خارج النص / ينبغي اعطاء تعريف حقيقي لهوية الدولة كي لايعتبر التماهي بمثابة الغموض البنّاء الذي يخدم بعض الاطراف الخارجية.