مع كلِّ عامٍّ دراسيٍّ جديدٍ نفجع بمستوى الإنحدار في الاستعداد و التحضيرات..
لا يتعدى الأمر الأبنية و مرافقها الخدمية و فضاءاتها و أنشطتها العلمية و الفنية و الرياضية و الأدبية، بل يشمل مستوى المدرِّسين و المعلِّمين و تقنيات التربية و التلقين و الحِفظ.
يَعُدُّ الأبُ الروحيُّ للتعليم الفنلندي الدكتور “باسي سالبرغ” التَّلقينَ جراثيمَ مدمِّرةً للتعليم بقوله:
إنَّ أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم.
هذا ما حدث في فنلندا، والتي حدَّدت الوصف الدقيق للأساليب التي يجب على التعليم أن يتخلَّص من ستَّةِ أنواعٍ من الجراثيمِ هي كالآتي:

– الجرثومة الأولى: غزارة و كثافة المواد الدراسية.
يُشكِّلُ الكمُّ الهائلُ من المعلومات المطلوبة من الطلبة أهم الجراثيم التي يتَّصفُ بها تعليمنا، وِفقَ قاعدة التعامُل مع الطالب بالكمٍّ وليس بالكيف.
– الجرثومة الثانية: كَثرة الإختبارات والإمتحانات.
تخليص الطالب وإبعاده عن شَبحِ الاختبارات والامتحانات المُرعب يُوفِّر عاملَ أمانٍ و بيئةَ اطمئنانٍ لنجاحه.
– الجرثومة الثالثة: إطالة ساعات الدوام.
إنَّ عمليةَ إنهاكِ الطالبِ ذِهنيًّا وإرهاقِهِ جسديًّا، يتسبِّبُ في ضعف التركيز لديه.
– الجرثومة الرابعة: الدراسة المنزلية وحلُّ الواجبات وعملُ الأنشطة البيتية.
إنَّ للطالبِّ الحقَّ في الاستمتاع بوقته خارج وقت المدرسة، و التعليمُ جزءٌ من حياته و ليس كلها.
– الجرثومة الخامسة: الدروس الخصوصية.
يُثقِلُ التدريسُ الخُصوصيُّ كاهلَ الطالبِ المادية و يُسهِمُ في إرباكه فِكريًّا.
-الجرثومةالسادسة: الموادُ المعقَّدَةُ التي لا ينتَفعُ منها الطالب.
إنَّ حشوَ مدى لا تفيد الطالب و لا تنفعه في واقعه أو في ميوله واتجاهات تُبعده عن تداول المعرفة الحقيقية والتي يُطلقُ عليها الأب الروحي للتعليم الفنلندي الدكتور “باسي سالبرغ” وصف “المعرفة المعزولة”: ويعني تلك المعلومات التفصيلية التي لا يتداولها إلَّا أهل التَّخصُص الدقيق.
هذه جراثيم تخلَّصت منها فنلندا فتصدَّرت العالَمَ في قائمة أفضل الأنظمة التعليمية وحازَ طلابُها المراكزَ المرموقةَ عالميًّا، وتسابقَت الدُّوَلُ لتحظى بالإستفادة من تجربة التعليم الفنلندي..
لكي نتخلَّصَ نحنُ من هذه الجراثيم، يجبُ إعادةُ النظرِ في منظومة التربية و التعليم، والبدء بتغييرات جذرية من هيكل الوزارة إلى تقنيات التعلُّم في المدارس..
عندما قالَ وكيلُ وزيرِ التربية السابق:
( لدينا معلِّمين مطايا)، و اعترضنا عليه، قال لي وقتها أحد المُشرفين: إنَّ بعضَ المعلٍّمين و المدرِّسين يدفعونَ الطلبةَ إلى الإنقياد إليهم مثل الحمير، و آخرون لا يُمكنهم أن يجتازوا إمتحانَ البكلوريا..
لقد كتبتُ كثيرًا عن تجربة التعليم في سنغافورة و كوريا الجنوبية و فنلندا و رواندا و أمريكا و ألمانيا، و كنتُ أظنُّ أنَّ مسؤولي التربية و التعليم يقرأون و يفقهون ما نكتُب، ولكنَّهم في وادٍ و نحنُ في وادٍ..
لقد رأيتُ مدارسَ في العراق لا تصلُح أنْ تكونَ إسطبلاتٍ للحميرِ، حتى أيقنتُ أنَّ دُعاةَ التَّغييرِ والإصلاح في عراقنا الجريح عبارة عن شياطين بهيئة الإنس، و آمنتُ أنَّ الفسادَ في العراق من صُنع حكوماتٍ لا تصلُح أنْ ترعى الأغنامَ في البوادي..
نحنُ بحاجةٍ إلى كُلِّ أنواعِ التعقيمِ للفتكِ بكلِّ الطُّغاةِ و الفاسدين الجراثيم..
إلى متى يبقى البعير على التَّلِّ؟!!!
إلى متى يبقى التعليم بلا حَلٍّ؟!!!!

اللهمَّ أسكِنْ طُغاتَنا النَّارَ، التي سلَّمتَ منها إبراهيمَ..
و أنعِم علينا بمَن يصونُ و يُصلِحُ التَّعليمِ..
إنَّكَ السَّميعُ العليمُ..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *