بعيداً عن الحكم في صدق الحديث أو نفاقه، فإننا لا نسمع من جميع الأطراف السياسية والثقافية والاجتماعية غير السلبية عن العصبية القبلية، ذلك التعصب الأعمى الذي يدفع بصاحبه الى تصرفات ومواقف وآراء لا تمت للحقيقة وللواقع بصلة.
بيد أن جميع تلك الأطراف السياسية لا تمارس، في واقع الحال، غير العصبية القبلية في تنظيراتها وتفسيراتها وسياساتها مبررة ذلك باختلاف منطلقاتها الفكرية وأهدافها السياسية.
لقد تعرفت وعاشرت وشاركت أطرافاً سياسية متنوعة، واستمعت الى آرائهم وعشت مواقفهم وردود افعالهم، واستطيع الجزم انها لم تخرج عن عصبية قبلية تؤججها الدوافع الشخصية البحتة لقادة ومتنفذي تلك الأحزاب.
صحيح أن لكل حزب سياسي رؤيته في تفسير مجريات الحياة واهدافه التي ينادي بها ويعمل/ أو يدعي العمل على تحقيقها، الا ان كل حزب وهو يدخل في حوار أو نقاش مع الآخر لا يعمل الا على تسويق افكاره ومحاولة اثبات صحة نهجها وبالتالي يبرر سعيه للسلطة. انهم مضايف بدو ودواوين شيوخ!!
ان هذه الثقافة السياسية التطاحنية والتي تجعلنا كمن يتصارع في مستنقعات آسنة ويغوص في رمال متحركة سوف لن تقود الا الى التباغض والكراهية والأحقاد والثارات، وهو ما عشناه ونعيشه وسنبقى ندفع ثمنه.
المشكلة والمصيبة هي الايمان الأعمى لكل حزب بالصحة المطلقة لأفكاره واهدافه ونهجه، وقد بنى له ملفاً سياسياً مترابطاً لتلك الافكار والأهداف والتكتيكات يصعب معها المرونة في التعامل مع الآخر، لا بل وحتى الاستعداد لسماع آرائه، ناهيك عن التعاون معه.
ان هذه الأنماط من التكتلات السياسية لم تعد عملية في واقع اليوم عديد الألوان والميول والأمزجة والمصالح والأفكار. وهذا يعني أننا السياسيون العراقيون بحاجة الى إعادة النظر في صنمياتنا السياسية قومية كانت أو طبقية أو دينية أو مذهبية، إذا ما نجحنا في تجاوز عصبياتنا القبلية في نهجنا وخطونا على طريق التلاقي والتعاون في عالم يتسارع في تغيراته.