-1-
هناك مَنْ يستسلم بسرعة لمجرد اصابته بعاهة مستديمة وتعقد به الهمة عن التطلع الى بلوغ المراتب السامية .
وكأنَّ الاصابة بالعاهة عائق كبير عن نيل الرتب العالية في العلم والأدب والثقافة …!!
-2-
وأصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية لا يرون في { العاهات } ما يصدهم عن التنهد لبلوغ الدرجات العالية، ومن هنا فهم يُواصلون السعي – دون ملل ولا فتور – للوصول الى ما يريدون .
-3-
انّ ابا العلاء المعري- وكان مصابا بالعمى – ، ولكنّ العمى لم يمنعه مِنْ أن يحتل مكانته العالية في دنيا الشعر والأدب، اسمعه يقول :
أبا العلا يا ابن سَلُيمانا
انّ العمى أولاكَ إحسانا
لو أبصرتْ عيناكَ هذا الورى
لم يَرَ انسانُك إنسانا
لم ير انسانك : اي لم تر عينُك
انه يعتبر { العمى } الذي أُصيب به إحساناً له حيث مَنَعَه مِنْ رؤية كل المتقاعسين عن السعي للتقدم بذريعة الاصابة بالأعراض ، والأمراض فهم أصحابُ كَسَلٍ وخمول وليسوا رجال جِدّ ومثابرة .
-4-
واعطف على المعري المرحوم الدكتور محمد مهدي البصير الذي استطاع رغم فقدانه البصر أنْ يكون خطيبَ وشاعر ثورة العشرين المجيدة .
وأنْ يكون استاذا في دار المعلمين العالية يبعث في طلابه روح العشق للعلم والادب والثقافة .
-5-
وفي مصر أصبح د. طه حسين – رغم العمى – عميد الأدب العربي ، وانتشرت كتبه وآراؤه في الوطن العربي الكبير .
وقد قارن بينهما سيدنا الوالد العلامة السيد محمد هادي الصدر – رضوان الله عليه – فقال :
إنْ انجبتْ مصرَ فتاها
فالعراقُ أَنْجَبَهْ
العراق أنجبَ البصير كما انجبت مصرُ طه حسين .
-6-
وقد كان الاستاذ الدكتور حسن الجلبي – رحمه الله – من ألمع اساتذة القانون، رغم كونه كفيف البصر ، وقد انتخب رئيساً للدارة القانونية في جامعة بغداد في اواسط ستينيات القرن الماضي .
-7-
والخلاصة :
لا ينبغي لأحد ان يسمح لنفسه بالهزيمة والتقوقع بالاستناد الى عاهة أصابته او مرض اعتراه .
ان الحياة كفاحٌ وسعيٌّ مُتواصل نحو الانجاز الانساني النافع، والاثراء المعرفي المطلوب، لتتواصل حلقات العطاء دون انقطاع ودون انكفاء .
وهنا تكمن العظة .