مرت علينا يوم أمس الاربعاء 17/آب ذكرى حادثة استشهاد رئيس مجلس الحكم الانتقالي الشهيد عز الدين سليم (رحمه الله)، والذي استشهد في عملية إرهابية وقعت احداثها أمام بوابات المنطقة الخضراء اثناء وصوله لممارسة عمله اليومي في المبنى الذي يعد حالياً مكتب رئيس الوزراء.
ويعتبر منصب رئيس مجلس الحكم انذاك بمثابة رئيس الدولة، لذا تعتبر حادثة استشهاد عز الدين سليم عملية اغتيال لرئيس الدولة، سيما وانها تمت بفعل مباشر من قبل أولى الجماعات الإرهابية التي ظهرت في العراق بعد كسر الحدود من قبل الامريكان، وهي جماعة التوحيد والجهاد المرتبطة بتنظيم القاعدة.
واستشهد مع ابو ياسين في تلك الحادثة التي وقعت احداثها في الساعات الأولى من الدوام الرسمي مجموعة من حماية ابو ياسين، بلغ عددهم اربعة اشخاص، مع ابن شقيق عز الدين سليم وهو ابن لشهيد معدوم من قبل (النظام السابق)، علاوة على صديق عز الدين سليم ورفيق دربه النضالي والجهادي.
وقد تناوب على رئاسة مجلس الحكم في حينها 12 شخصية سياسية عراقية من بين 25 شخصاً كانوا اعضاءً في المجلس، لم يتعرض منهم أي أحد للأذى او الاغتيال باستثناء عز الدين سليم، ومازال بعضهم يمارس العمل السياسي كزعيم لحزبه، فيما اعتزل آخرون، ومات البعض الاخر موتاً طبيعياً أو جراء المرض.
ولم تبادر الحكومات العراقية المتعاقبة خلال الـ19 سنة الماضية الى استذكار (عز الدين سليم) على النحو الذي يليق به، على الاقل باعتباره رئيساً للدولة في النظام العراقي الجديد، او باعتباره شخصية وطنية لطالما جاهد وناضل ضد الدكتاتورية منذ نهاية السبعينيات وحتى لحظة استشهاده.
ولعل هذا التغييب المقصود تقف خلفه الكثير من الاسباب والمسببات، قد يكون من ابرزها، بحسب وجهة نظري، هي السيرة الناصعة لعز الدين سليم ومواقفه التي لطالما عجز عن الوصول اليها من يدعون انفسهم زعماء وقادة هذه الايام، خصوصاً مواقفه في فترة المعارضة وحتى فترة المواجهة مع الامريكان بعد سقوط صدام.
وهنا اذكر للشهيد عز الدين سليم موقفين :
الاول / اثناء فترة المعارضة، حين كان فيها (ابو ياسين) دائم الاعتراض على الغزو الامريكي للعراق، لدرجة انه كان يصرخ في وجه أركان المعارضة في اربيل قبل انعقاد اجتماعات لجنة التنسيق والمتابعة التي تمخضت عن مؤتمر لندن للمعارضة، حيث كان ابو ياسين يرفض تولي (زلماي خليل زاده) مقاليد إدارة مؤتمرات المعارضة.
الثاني / اثناء فترة مجلس الحكم، حين كان فيها عز الدين سليم يدخل في مواجهات مع (بريمر) وقراراته التي صارت تفرض بقوة الاحتلال على الدولة العراقية.
ومن هنا ربما يعتبر الثنائي (بريمر + زلماي) احد اكثر المستفيدين من رحيل عز الدين سليم، والاثنان في ذلك الوقت كانا يمثلان السلطة الامريكي بشكلها المدني والعسكري والاستخباري، وهي السلطة التي لطالما انزعجت من الاصوات الوطنية، او السلطة التي أرادت عراقاً ممزقاً فاسداً وضعيفاً تتم قيادته من قبل الاتباع المطيعين فقط.
وعموماً .. بعد سنوات اتضح أن تغييب المواقف الوطنية وسيرة الوطنيين القادة في العراق الجديد أمر مقصود لاغراض تتعلق بسيادة الاحتلال ومعه التفاهة والعمالة والفساد، ومن هنا لم يكن (عز الدين سليم / ابو ياسين) أول شهيد معجون بملح البصرة، سقط أول أمس، يتم تغييبه، بل حتى صار بيننا شهيد، سقط أمس، مثل جمال جعفر / أبو مهدي المهندس) معجون هو الاخر بملح البصرة يراد تغييبه أيضاً، مع أن قاتل الشهيدين واحد.
رحم الله (الشهيد عز الدين سليم / ابو ياسين) في ذكرى استشهاده الـ19.