أن الامم و الاوطان و المجتمعات التي خاضت أشكالاً من العنف والصراعات و الاضطرابات و التحولات السياسية و شهدت التفكك لأسباب إثنية ، لا يمكن أن تنهض ثانيةً من دون رضاعتها بالثقافة الوطنية و الوعي بأهمية تعميق الروابط الاجتماعية و الانتماء و التعصب للهوية الوطنية لترميم الواقع المتصدع ، و التصدي للتدخل الخارجي سياسياً و أقتصادياً تحت أغطية طائفية او عرقية .
إذ أن التغيير و الارتقاء يبدأ من إرتخاء التعصب العقائدي و الديني والقومي و الايديولوجي و العمل على ,تغذية التعصب الوطني الذي يُعد رافداً لقوة الهوية الجامعة و صيرورة التماسك ، و ليس الانفعال الموسمي الذي يتجلى في الرياضة و الفنون و الفعاليات الاجتماعية و المنتديات الفكرية ذات المجال المحدود و الاهداف النبيلة التي تقوم على التحليل العلمي .
و لابد من تأكيد حقيقة أن الانتماءات الفرعية هي فضاءات ثقافية و روحية تمنح الفرد التميز و الارتباط مع الجماعة على أسس عقائدية او قومية يتوجب إحترامها ، طالما كانت متكافئة مع الثقافات السائدة في المجتمع ، بعيداً عن الإلغاء و إقصاء الآخر الذي ينبغي أن يتساوى في الحقوق والواجبات التي يفرضها النظام و القانون .
لا إعتماد أدلجة التغالب وإحتكار الحقوق في الحياة ، التي تفضي الى دينامية الاضطراب و التفكك لاسيما في المجتمعات التي تتسم بالانقسام والخلاف الذي يغذي العصبية ويتغذى منها .
أن هكذا بيئــــــة تــــــدفع قوى خارجية الى التدخل و التأثير على الجماعات ، ما ينتج تكريساً للتفكك لخدمة تلك القوى التي تجــــــد في العصبية المذهبية أو الدينية منفذاً للهيمنة باستغلال عواطف الجمهور ، و يتجلى ذلك أثناء الانــــتخابات ، و تالياً التأثير على سياسة و قرارات تلك الدولة وأضعافها .
استمرار التحديات
أن أيقاظ الروح الوطنية لدى الجمهور يغدو عسيراً مع أستمرار التحديات وغياب الحاجات الانسانية و شعور الفرد بالاغتراب السياسي و فقدان الثقة بالدولة ، لاسيما فئة الشباب الذين يشكلون الغالبية من مجموع السكان ، وهم يعانون الغبن و الحرمان بغياب الفرص المتاحة من ناحية و إستمرار الخطاب التحريضي لوسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي و الاعلامي من ناحية أخرى التي أصبحت أحد أهم الادوات التي تطوق المتلقي الذي يتعرض في معظم الاوقات لخطابات أسهمت في عملية الانقسام الهوياتي لا الهوية الجامعة التي يتوجب على تلك الوسائل إشاعتها لغرس الأمل و كبح الأحباط ، و مساءلة الحكومة لمعالجة حالات الاختلال و الاعتلال السائدة من أشكال الارهاب الذي أنتج الفساد و المخدرات و قبلها المحاصصة في الحكم ، إذ أتكأت الاحزاب المتسيدة على المشهد السياسي على العصبية المذهبية والعرقية لتسهم في عملية الانقسام و التشظي و تعقيد الواقع الاجتماعي ، وأستغلال مختلف أدوات الاستمالة و التأثير على مجتمع يستدعي ثقافة الماضي في كل حين ، و الافادة من الفضاء الاعلامي متعدد القنوات والوسائل ذات الخطابات المتضادة التي تروج لمذهب و ايديولوجيا محددة وتسقيط الاخرى بتفلية حوادث الماضي التي تكرس التعصب و إصطياد العقول في بيئة تسود فيها الأمية و الجهل و الخرافة ، لتحقيق غاياتها بما ينسجم مع محتوى الخطاب ، و التشجيع على التصلب و عدم الانفتاح .
و بذلك فأن الثقافة الوطنية تواجه تحدي داخلي و آخر خارجي يتمثل بالعولمة التي أطاحت بالحدود . و الثقافة الوطنية التي تُعد مرتكزاً للهوية . في عالم يعيش قفزات من التغيير و التطور و التفاعل الفكري لصناعة رأي عام لمواجهة المعاناة و المشكلات الانسانية للتأثير على مصادر القرار .
على أن التحول صوب التنمية و بناء المستقبل يأتي من تحسين وظائف التعليم و الاعلام و توفير الحاجات الانسانية و منح المثقفين مساحة أكبر في كشف الحقيقة للارتقاء بجودة الحياة ، و تنقية الواقع المكبل بمعاضل الماضي في عدم إسقاطها على الحاضر .