الكاتب عمر محمد الشريف
من دول حلف الناتو لهجوم روسيا على جارتها أوكرانيا. وبين عقوبات الغرب، ومساعداته وتصريحاته وبياناته، تركت أوكرانيا لمواجهة مصيرها بمفردها.
يقترب بوتين من حسم الأمور في أوكرانيا التي تعد حالياً الدولة الفاصلة الأكبر بين روسيا ودول حلف الناتو، والتي تعتبرها موسكو الحصن الاستراتيجي الأخير الذي يعزلها عن الغرب وحلفائه، وبوابة لعبور التهديدات لها.
واهم من كان يظن أن روسيا بوسعها أن تترك أوكرانيا لتصبح جزء من منظومة الناتو الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن المشاعر القومية الروسية تجاهها، حيث أنها كانت مندمجة في روسيا منذ القرن السابع عشر للميلاد، وهي إحدى الجمهوريات المكونة للإتحاد السوفيتي منذ تأسيسه في سنة ١٩٢٢م، وحتى تفككه في سنة ١٩٩١م.
على مدار التاريخ توالت على الشعب الأوكراني مختلف المحن، وتعود بنا هذه الأحداث الدامية الجارية للذاكرة التاريخية، وتحديداً في عام ١٩١٧م حيث الثورة الأوكرانية التي اندلعت بعد الاضطرابات الشعبية التي حدثت في روسيا منهيةً الحكم القيصري، وكان الجزء الأكبر من أوكرانيا الحالية جزءً من الإمبراطورية الروسية.
ففي الفترة بين سقوط الإمبراطورية الروسية، وتأسيس الإتحاد السوفيتي، استطاعت أوكرانيا نيل الاستقلال وأعلنت انفصالها عن روسيا، وتأسيس الجمهورية الشعبية الأوكرانية في سنة ١٩١٧ م، وأعلنت استقلالها الكامل في يناير ١٩١٨ م، لتظهر الدولة الأوكرانية على الخريطة السياسية، وتبدأ في تشكيل جيش أوكراني .
كانت هناك عدة نماذج للدولة الأوكرانية خلال الثورة الأوكرانية: النموذج الديمقراطي (الجمهورية الوطنية الأوكرانية)، والنموذج المحافظ (دولة هيتمان سكوروباديسكي)، والنموذج الليبرالي الديمقراطي (جمهورية أوكرانيا الغربية الشعبية) .
إلا أن الاضطرابات الروسية انتجت الثورة البلشفية التي قادها البلاشفة تحت إمرة السياسي الشيوعي فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـ “لينين” ، ولم تستطع أوكرانيا كسب الصراع العسكري مع البلاشفة.
كان البلاشفة بقيادة لينين قد انتزعوا السيطرة الكاملة على روسيا، ثم أعلنوا الحرب على أوكرانيا، وهاجموا واستولوا على مدينة كييف أربع مرات خلال الفترة من عام ١٩١٨م إلى عام ١٩٢٠م، وبحلول نهاية عام ١٩٢٠م، استولى الجيش البلشفي على جزء كبير من أراضي أوكرانيا.
ولم تستلم أوكرانيا بسهولة ففي بداية عشرينيات القرن العشرين كانت هناك مقاومة كبيرة للنظام الشيوعي من قبل الأوكرانيين، مما دعى البلاشفة لتشكیل كيان شبه حكومي يسمي “الجمهورية الاشتراكية السوفياتية الاوكرانية” ومقرها مدينة “خاركيف” لاحكام سيطرتهم على أوكرانيا.
لم يكن لدى الجمهورية التي شكلها البلاشفة سيادة حقيقية، وكان الشيوعيون الأوكرانيون يخضعون مباشرة لقيادة الحزب الشيوعي المركزي، ونظامه.
وبسط الإتحاد السوفيتي سلطته على تلك الجمهورية، والتي أصبحت عضوًا مؤسسًا في الإتحاد، لكن أوكرانيا عانت بشدة في ظل حكم الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، حيث تسببت المجاعة في أوائل الثلاثينيات في مقتل ما يقرب من ٤ ملايين أوكراني، والتي عرفت بالمجاعة الكبرى أو “هولودومور” والتي تعني حرفياً القتل عن طريق التجويع.
وحاول القوميون الأوكرانيون بقيادة السياسي الأوكراني”ستيبان بانديرا” التعاون مع النازيين بهدف إقامة دولة أوكرانية مستقلة، لكن لم تنجح محاولاتهم، ولم تنل أوكرانيا استقلالها إلا مع انهيار الإتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١م.