الكاتب /قاسم الغراوي
يمثل الامام الكاظم (عليه السلام) مدرسة متكاملة في دنيا الانسان في العلم والمعرفة، والصبر، وجهاد النفس والكلمة.
لقد كان عصره زاخرا بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية، والاجتهادات الفقهية، ومدارس التفسير والرواية.
كانت تلك الفترة التي عاشها الامام الكاظم (عليه السلام) من اخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وافكار اعتقادية شتى، وتعددت مذاهب الفقه، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخراجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة.
وعلى الرغم من صعوبة الظرف السياسي وحراجته، وتضييق الحكام العباسيين على الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الا انه لم يترك مسؤوليته الشرعية والعلمية لتصحيح المسار الاسلامي الخاطئ، بما يملك من معارف إلهية.
قام الامام (عليه السلام) بدوره ومسؤوليته الالهية ، رغم ظروفه السياسية الصعبة من الحصار والتضييق عليه ، بتربية جيل من العلماء والرواة للحديث ،وساهم مساهمة فعالة في ايقاف الانحراف الذي حملته بعض التيارات الفلسفية والعقائدية والكلامية المتأثرة بالغزو الفكري والعقائدي الخارجي .
من غير المنصف ان نسوق للعالم صورة جزئية غير صحيحة عن الامام الكاظم (عليه السلام) انه كان سجينا خاضعا فقط من باب كظم الغيظ بل العكس ففيض علومه واثره حتى في سجانيه ونشاطاته السرية في الاصلاح وبناء الجماعة الصالحة وتاكيد خط الانتماء لاهل البيت خطا معارضا للفساد والانحراف عن قيم الدين المتمثل بحكم هارون اللارشيد ادلة بسيطة على ان الامام عليه السلام شكل خطرا وتهديدا للوجود السياسي لحكم هارون فبادر الى سجنه تارة واطلاق سراحة شكليا تارة اخرى ومن ثم العودة به الى السجن والتضييق عليه الى ان استشهد مسموما .
ما قيل في حق الامام:
نذكر على سبيل المثال بعض اقوال العلماء في حقه (عليه السلام) وهم من الذين لا يوالونه ولا يعتقدون بإمامته ، ولكن مع ذلك اثرت هذه الانوار الربانية في نفوسهم فنطقت السنتهم بمدح مثل الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، منها :
قال ابو علي الخلال شيخ الحنابلة :
( ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به ، الا سهل الله عز وجل لي ما احبه ) . تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي : ج١ص١٢٣.
قال علي بن محمد بن احمد المالكي المعروف بابن الصباغ :
( واما مناقبه وكراماته الظاهرة وفضائله وصفاته الباهرة فتشهد له بانه افترع قبة الشرف وعلاها وسما الى اوج المزايا فبلغ علاها ، وذللت له كواهل السيادة وامتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصفاها … ) . الفصول المهمة في معرفة الائمة: ابن الصباغ: ص٩٣٧ .
قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي :
( هو الامام الكبير القدر العظيم الشأن الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد المشهور بالعبادة المواظب على الطاعات المشهور بالكرامات يبيت الليل سجدا وقياما ، ويقطع النهار متصدقا وصائما ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما ، كان يجازي المسيء بإحسانه اليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح ، ويعرف في العراق بباب الحوائج الى الله لنجاح مطالب المتوسلين الى الله به ، كراماته تحار منها العقول وتقضي ، بان له عند الله قدم صدق لا تزل ولا تزول ) مطلب السؤول في مناقب آل الرسول : ابن طلحة : ص٤٧٧.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.