محمد الكلابي
اثارتني شخصية الحسن البصري حين قرأت عنه. الحسن البصري من اصل صابئي ولد في البصرة و سبي الى المدينة مع والدته التي اصبحت جارية في بيت احدى زوجات النبي محمد و اصبح هو مسلماً. تعلم العربية و القرآن في بيت الرسول و تتلمذ على يد الصحابة ثم قرر ان يهاجر الى بلاده البصرة في طلب العلم. استغربت حين قرأت ان انساناً اصبح من اعلام علماء المسلمين و احدى الشخصيات القليلة التي لا يختلف عليه الشيعة مع السنة ترك بيت رسول الله و صحابته و مدينته ليطلب العلم في البصرة لكن قراءة سريعة للتاريخ تكشف لنا ان البصرة كانت مدينة يتبارى فيها العلماء في مجالات العلم المختلفة و المدينة مدينة من الناحية العلمية متخلفة.
لو اننا تقبلنا هذه النظرة لتمكنا من ان نقول بأن النظام الذي اسسه النبي محمد هو لمن تبعه افضل نظام للدين و التعبد لكن النبي لم يؤسس مؤسسات علمية و لا جامعات و كان ابن بيئة – و هنا اقصد جزيرة العرب – لا يطلب الناس علما منها.
الصراع الدامي لتوثيق الهوية الدينة قادنا للأسف الى طريقة تفكير تفتقد الى اسس التفكير العلمي النافع فمن يريد دولة دينية يتكلم عن عالم اسلامي يفوق في جماله اروع بلاد العالم و هي فكرة مؤسسة على الخيال فكما اسلفت فإن الحسن البصري طلب العلم في البصرة و هو رجل دين! هناك الجانب الاخر الذي يريد ان يشكل دولة مدنية يتكلم عن حرب مع الدين و هو شيء لن ينفع كون الكثير ممن يدعو الى المدنية و ينتقد الدين في بلادنا قاب قوسين او ادنى من شخصية طائفية تتمادى في النقد لكنها ما زالت تخشى من ينتقدها.
الحل اذا لا بد ان يكون وسطيا كما اراد الحسن البصري و قد يتمثل بترك الدين الى الدين و ترك المؤسسة الدينية لمنسبيها مع رفض فكرة اقتباس التراث الاجتماعي الاسلامي لأنه لم يكن يوما افضل تراث عرفته المنطقة فتراث البصرة و بغداد و بيروت و الشام و دمشق و حلب و الموصل و القاهرة و الاسكندرية تراث اكثر عراقة و تقدما من تراث الجزيرة العربية و من لا يريد ان يصدق فليسأل الحسن البصري عن سبب تركه للمدنية.
يقال بأن الدين هو العلاقة التي يشكلها الانسان مع الخالق فكيف لهذه العلاقة ان تتأثر بما يلبسه الاخرون و بما يشربونه و بما يأكلونه و بمن ينكحون؟ فليكن الالتزام بالدين لمن يلتزم به و بالطريقة التي يريدها و ليكن عدم الالتزام لمن يختاره و بالدرجة التي يبتغيها و ليتحرر الدين من التقاليد و ليتحرر المجتمع من فكرة ان التقدم سوف يتحقق بالرجوع الى عادات الصحابة فحين بحث الحسن عن التقدم هجر المدينة و سافر الى البصرة.
فلنتوقف عن محاولة مسخ المدن فالبصرة لن تكون يوما المدينة و مكة لن تكون بغداد او بابل. فلنتوقف عن محاولة مسخ البشر في اشكال كاركتورية مضحكة و مبكية و لنترك لهم الحق في التعبير عن روعة اشخاصهم.