من اكثر الامور التي ابتليت بها الامة الاسلامية، وبمختلف وصنوف مذاهبها وتياراتها، هي مشكلة الافتقار لآليات التقييم الصحيحة، ما بين الذات، والآخر، والتي نتج عنها مفهوم : (التقديس)، هذا النمط من التعاطي الذي انهك المنظومة العقدية للمسلمين بشكل كبير.
بمعنى، ان ذات الفرد، التي تميل لتقديس شخص غير ذاتها، تكون معتمدة في اغلب الاحيان، على تواطئ سلبي يحصل عندها ما بين العاطفة والعقل، فنجد ان الانجذاب للآخر (المقدس) يكون ابتداءا من منطلق وقناعة عاطفية انفعالية، والتي بعدها مباشرة، تبدأ بتجنيد العقل، ليبدع في ايجاد وصياغة المبررات الوجودية التي تسوّر وتحصن هذه القناعة العاطفية، ضد اي اي شكل من اشكال النفي الوجودي الواقعي، او المنطقي الموضوعي.
وتأتي عملية التبرير العقلي هنا (وهو الاسير للانطلاقة العاطفية الاولى)، كبداية، في مواقف كبيرة ل(المقدس)، تنطلق منها في تثبيت اساسته الوجودية، ومنها تنطلق في اقناع الآخرين به.
السلبية الصارخة في هذه العملية التبريرية، هي عندما يتدنى مستوى العقل (المُقَدِّس- بكسر وتشديد الدال) للحضيض، وذلك عندما يصل لتلك المرحلة التي يحاول من خلالها تعظيم وتفخيم الاقوال العادية، والسلوكيات الشعبوية البسيطة، للمقدس، فيصنع منها ادوات لعظمة اعجازية، بينما هي في حقيقتها نتاج سلوكي ولفظي وفكري عادي وطبيعي، يصدر من الاشخاص العاديين في الحياة اليومية العادية.
في هذا المفصل، في هذه المنطقة، يتم كشف زيف القداسة للشخص. !
اي ان تبجيل الافعال والاقوال العادية جدا، التي تصدر من الشخص الذي يصفونه بالمقدس، تعتبر بمثابة جرس الانذار لعقول المتلقين، كي يعيدوا تقييم عملية التقديس هذه. !
التقديس يجب ان يكون للافعال والاعمال والافكار والمواقف الكبيرة جدا، والتي تقترب من حدود الاعجاز، اي التي لا يستطيع الانسان العادي، بل حتى الانسان الذكي، ان يقوم بها، وهذا ما نجده في بعض سلوكيات واقوال وافكار وعلوم الانبياء والأئمة عليهم السلام، لذا نجد ان الله تعالى قد اعطاهم حيزا معينا من التقديس، لتكون ترجمة عملية لأوامر الطاعة والإتّباع التي تفرض على اتباعهم، لتحقيق النجاح المطلوب في هذه المشاريع السماوية.
اما ان تتحول السلوكيات والافكار والمواقف العادية، الى حالة من الضخامة المفرطة، فهذه دلالة على ان عملية التقديس في هذا الموقف هي ضحك على ذقون السذج.
وهنا تبدأ السخرية. !