*الدّرس الثاني*.
المقدّمة :
الجغرافيا السياسية:
اصطلاح يدرس تأثير الموقع الجغرافيّ في تقرير مصير النظام السياسيّ بما تمثّله هذه الجغرافيا من موقع أو ثروات أو منفذ أو مساحةٍ مطلّةٍ علي بحرٍ أو نهرٍ أو ممرٍّ، ويشكّلُ هذا الموقع الجغرافيّ منفذاً مُهمّاً للتجارة المحلّية والإقليمية والدولية، ولَطالما قَرّرَ الموقعُ الجغرافيّ مصير الحرب والسلام في دول العالم، ومنح الدول القوّة والقدرة على النهضة والتطوّر والتنمية، بينما تجد بعض الدّول الفاقدة للموقع الجغرافي تعاني الفقرَ والحرمانَ، أمثال الدول بعض الدول الأفريقية؛ ونجدُ الصراع قائماً على ( تايوان ) .
وتجد (هتلر ) في الحرب العالمية الثانية أراد أنْ يتوسّع في السيطرة على العالم لأجل إيجاد مساحةٍ جغرافيةٍ مؤثّرةٍ في قرار ألمانيا السياسيّ.
وتجد أمريكا تحتلّ إلى الآن جزيرة ( أوكينا ) في اليابان ، وتبني وتؤسس القواعد في العالم .
وتجد أنّ العالم بعد الحرب العالمية الثانية ينقسم بين محور الشرق والغرب ( الاتحاد السوفيتي من جهة، والحلف الأطلسيّ من جهة )، بل حتى الحرب الروسية الأوكرانية كانت بسبب الجغرافيا السياسية، وهذا واضح في كتاب دوغين الذي أكّد على النظرية ( الأور آسيوية ) كتاب : أسس الجيوبوليتيكية : مستقبل روسا الجيوبوليتكي .
وبما أنّنا نتحدّث عن الجغرافيا السياسية للمحور المقاوم فإنّ الحديث يتوجّه إلى الموقع المهمّ لدول المحور المقاوم، وإلى ما تمتلكه من خصائص وثروات ومنافذ ومواقع تمنحها القدرة في القرار السياسيّ لمواجهة التحديات .
تعريف مصطلح الجغرافيا السياسية
علم الجغرافيا السياسية: العلم الذي يبحث في تأثير الجغرافيا على السياسة، أي الطريقة التي تؤثّر فيها التضاريس والموقع والمساحة والمناخ على أحوال الناس، أي أنه اصطلاح يرتبط بدراسة التأثير والتأثّر بين الجغرافيا والسياسة بصفةٍ عامّةٍ، فإنّ أيّ صفةٍ إيجابيةٍ أو سلبيةٍ لها أثرها في القرار السياسيّ قوّةً وضعفاً، فموقع قناة السويس كجزءٍ جغرافيّ يؤثّر في قرار مصر، وهكذا مضيق هرمز يؤثّر في القرار السياسيّ لإيران، وهكذا باب المندب وسواحل البحر المتوسّط كلّها تؤثّر في اقتصاد الدول تأثيراً سياسياً وموقعها القيادي واستقرارها .
الفرق بين الموقع الجغرافي والسياسي
ولا بدّ أنْ نميّز بين الموقع الجغرافيّ بما هو موقع، فإنّ هذا الأمر يعتبر أحد العلوم التي تدرس بتجرّد في علم الجغرافيا ، مثلا حينما ندرس تضاريس العراق أو موقعه الجغرافيّ، أو مساحته، وتقسيمات السطح، أو المناخ أو الطقس أو مساحات المدن وغيرها من الأمور التي تدرس كعلوم مجرّده ، وبين دراسة الجغرافيا لمعرفة موقعها وطقسها ومناخها وثرواتها وممراتها وتأثيراته على الواقع السياسيّ، ومن هنا قسّم العلماء علم الجغرافيا إلى الجغرافيا الاقتصادية، والسكانية، والعسكرية، والسياسية وغيرها.
مدى الاستفادة من عناصر الجيوسياسية لدول محور المقاومة
أمّا الحديث عن أهمّية الاستفادة من عناصر الجيوسياسية لدول المحور فهنا تفاصيل مهمّة وهي :
1. النفط والغاز ( الطاقة ):
إنّ هذا المحور يمثّل قلب العالم اقتصادياً، فلو أخذنا مثلا فقط جانب النفط والغاز نجد أنّ العراق يمتلك 120 مليار برميل كخزين وطنيّ، والمتوقّع أنه سيمتلك 250 مليار برميل، ويمتلك احتياطي هائل من الغاز، فيتوقّع أنْ يكون إنتاج العراق حدود 15 مليار متر مكعب منه، أي أنّه يحتلّ المرتبة الثانية والثلاثين عالمياً .
أمّا سورية فهي الدولة رقم (27) عالمياً، ولديها حالياً إنتاج 400 ألف برميل يومياً، وتوجد آبار في الحسكة ودير الزور، ويبلغ إنتاج سورية من الغاز 28 مليار لتر مكعب .
أمّا إيران فإنّها تحتلّ المرتبة الرابعة عالمياً، أي حوالي 150 مليار برميل، وقيل: إنها تحتلّ المركز الثالث، أي 10% من احتياطي العالم النفطيّ. أمّا احتياطات الغاز في إيران تبلغ نحو 1,046 ترليون قدم مكعب، أو حوالي 15.8%من إجمالي احتياطات العالم .
يضاف إلى ذلك أنّ لبنان وسورية في طريقهما إلى أنْ تتغير لديهم المعادلات الاقتصادية بسبب اكتشاف آبار عميقة من الغاز قبال السواحل السورية .
2. في التأثير الجغرافيّ على الاقتصاد العالميّ :
إنّ محور المقاومة يمتلك ممرّاتٍ مهمّة، منها مضيق هرمز ، فإنّه يمرّ من هذا المضيق خُمس إنتاج العالم من النفط، اي نحو(17-18) مليون برميل يومياً، وتمرّ أيضا 22% من السلع الأساسية عبر هذا المضيق .
أمّا مضيق باب المندب فهو موقع يربط الشرق الأوسط والقرن الأفريقي (جيبوتي أرتيريا وأفريقيا واليمن وآسيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن، وبحر العرب ، ويصل البحر المتوسّط والمحيط الهادي.
وعرض المضيق: 18 كيلو متر في أضيق نقطة، ويعبر منه 4 مليون برميل يوميا، و50 مليون طنّ من المواد الغذائية .
3. الموانئ :
إنّ محور المقاومة يمتلك العديد من الموانئ المهمّة المؤثرة في الحركة التجارية كموانئ عبّادان وأنزلي، وبوشهر، وماهشهر، وخرمشهر، ونوشهر .
أمّا العراق ففيه موانئ مهمّة واستراتيجية: وهي ميناء أبو فلوس، وميناء أمّ قصر، وميناء الفاو الكبير، والمعقل .
وأمّا في سورية فمرفأ اللاذقية، وبانياس، ومرفأ طرطوس .
وأمّا في لبنان فمرفأ بيروت، وصيدا.
وأمّا في اليمن فميناء عدن والحُديدية، والضبّة، والنشيمة، وقنا في محافظتي حضرموت، وشبوة بجنوب شرق البلاد.
تشكّل هذه الموانئ نسبة 12%من حركة التجارة العالمية، وهي ذات أهمّية كبيرة في مستقبل الاقتصاد العالميّ خصوصا بالنسبة إلى موانئ إيران والعراق وسورية بعد التوجّه الجدي من قبل الصين .
4. لمساحات الجغرافية :
تشكّل هذه المنطقة نسبة واسعةً مهمّة من غرب آسيا إذْ تمتدّ على قارة آسيا وتربط المحيطات والبحار والشرق بالغرب، وهي الممرّ العالمي للتجارة، ومنذ القرن الثامن التفت البريطانيون إلى أهمّية المنطقة كممرات تجارية أو ما يسمّي خطّ الحرير؛ لإيصال بضائع الهند وبريطانيا إلى أوربا، فأسسوا شركة الهند الشرقية .
وتجمع المصادر والدراسات العالمية على أنّ منطقة الجزيرة والهلال الخصيب التي يمتدّ عليها القطب المقاوم بأنها تمتاز بما يلي:
طبيعيا : كثيرة الخلجان، والثروات المائية، وتنوع الأقاليم المناخية التي تؤثّر في وفّرة الزراعة، وأنّها تمتلك ثالث مساحة خصبة سهلية عالمياً ، وفيها وفرة المياه العذبة والبحار والمحيطات .
وسكانيا : العمق البشريّ، واليد العاملة .
5. القرار السياسيّ بحكم الجغرافيا
إنّ هذه الدول المحورية في المقاومة متصلة جغرافيا، وتمتلك القوّة المالية والثروات التي تفتقر لها أغلب الدول الأوربية، ولأنها تمتلك استراتيجية واحدة، ومجاورة لإسرائيل، فستكوّن بحكم تماسكها ردّاً على تواجد الكيان الإسرائيليّ الذي أراده الغرب بأنْ يكون منفذاً لأُوروبا وأمريكا والصهيونية لتركيع المسلمين ونهب خيراتهم.
ومن الشواهد على ذلك أحداث التاريخ ، ففي عام 1907 دعا رئيس وزراء بريطانيا سبع دول أوربية، وقال لهم: إنّ أُوروبا سوف تتجه إلى الانحدار، ولا بدّ من البقاء على قمّة قيادة العالم، فإنّ الإجماع هو إيجاد الكيان اللقيط وزرعه في قلب العالم الإسلاميّ، وأيضاً رسموا مشروع التقسيم لهذا العالم، من بينها معاهدة ( سايكس بيكو ) بين فرنسا وبريطانيا .
إذن الهدف كان تقسيم العالم العربيّ وتمزيقه واحتلاله والهيمنة عليه؛ لذا كان مشروع المقاومة هو إعادة لحمة العالم الإسلاميّ لمواجهة تلك المشاريع الغربية الصهيونية، بالاعتماد على قوّة المحور والبلدان المتواجد فيها، وها هي اليوم تحصد الثمار، وتفرض وجودها، وتنتصر ضدّ المؤامرات، وتشكّل محوراً وقطباً رابعاً بين الأقطاب التي فرضت وجودها وهي (الصين، وروسيا، وأمريكا، والقطب الإسلاميّ).
كما أنّ العراق المجاور لإيران، المطلّان على الخليج فيشكّلان وجوداً واسعاً على الخليج والجزيرة والهلال والبحر المتوسّط، ممّا جعل السعودية، وكُلّ دول الخليج تلينُ وتعترفُ بقوّة هذا المحور، وتتجه إلى الاذعان وقبول الاعتراف بالمحور المقاوم في المنطقة .
كما أنّنا وجدنا بالدليل العمليّ أنّ إسرائيل تعاني الانكماش، وفشل مشاريع التطبيع والابراهيمية وغيرها من السخافات خصوصا بعد أنْ تحررت أغلب هذه الدول من الهيمنة الأمريكية حتّى في مجال الاقتصاد والعملة ( مشروع بريكس ) .
الأمر المهمّ أنّ أمّ القري في المقاومة هي ( إيران ) قد أدركت حجم المنطقة المقاومة، وأهمّيتها فطوّرت وجودها وأدواتها العلمية والتسليحية لحماية المقاومة والمسلمين والجغرافيا للخروج – بعد حماية الجغرافيا بما فيها من تنوّعات هامّة في العالم – بقوّة القرار السياسيّ .
وخير دليل على قوّة البيئة المقاومة من حيث الموقع الجيوبوليتيكيّ والجغرافيا السياسية أنّ الغرب الآن يحاول أنْ يمارس دوراً في تعويض النقص في الطاقة والغذاء بالتوجّه إلى المنطقة، ولكن بشرط احترامها وعدم المساس بسيادتها، ويمكن أنْ يقال : إنّ الجمهورية الإسلاميّة في إيران ، وخطّ الامام الخمينيّ الثوريّ وتوجهه لتوحيد جهود شعوب المنطقة من السنّة والشيعة وغيرهم في رؤية موحّدة هي السبب في تحقيق الانتصارات على داعش وإسرائيل، وتمكّن المحور من منع تقسيم المنطقة، وإفشال مشروع حوزيف بايدن الذي طرحه عام 2007 لتقسيم العراق إلى ثلاث فدراليات ( سنة وكرد وشيعة )+ ومنع تقسيم سورية.
الخلاصات :
إنّ المنطقة المقاومة بما تمتلكه من مساحاتٍ، وسكّانٍ، وثرواتٍ، وممرّاتٍ، واقتصادٍ، وثقافةِ مقاومةٍ، وانتصاراتٍ وأيديولوجيا، وسلاح وتطوّرٍ تقني قد رسم خريطةً جديدةً للنظام العالميّ، تمنع على أنْ يكون العالم الإسلاميّ نهباً للغرب، ومنعت عليهم الهيمنة والاحتلال .
إنّ النصر الذي تحقق الآن يحتاج إلى مزيدٍ من الوعي والاستعداد في البلدان، وإيمانٍ راسخٍ بالمقاومة؛ لتثبيت النصر، وفرض وجودٍ حُرّ وكريم وسياديّ وواقع سياسيّ جديدٍ في الدول بعيد عن الهيمنة .
إسرائيل ذلك الكيان اللقيط في طريقه إلى الضعف والتآكل؛ لأنّ المحور المقاوم تمكّن من أنْ يطوّق وجودها، ويحقق نجاحاتٍ عسكريةٍ، وتطوّرٍ مضادّ في السلاح والقوّة الشعبية والاقتصادية .
من المهمّ أنْ يدرك المقاوم أنْ محور المقاومة يُشكّل المحور الاقتصادي العالميّ، والمحور الأيدولوجيّ؛ كون أغلب هذه الدول إسلامية، وهذا يجعل الغرب والأعداء لا يفكرون بعد اليوم في استضعافنا، ونهب خيراتنا، وسوف يكون لنا مستقبلٌ تنمويٌّ نهضويٌّ كبيرٌ، ويكون لنا السيطرة على القرار العالميّ والإقليميّ .