بعد سقوط الصنم؛ ظهر على سطح المشهد الثقافي قطيع نعاج من المثقفين الانتهازيين مرَّةً أخرى، وهم من كانوا يلعبون الدور نفسه إبَّان النظام البائد؛ وهؤلاء يمكن تشخيصهم بيسرٍ من قبل أيِّ مثقفٍ عابرٍ، فهم يمارسونَ لعبتهم البرغماتية بدون أية وخزة ضمير، ومن أين يجيء لهم الضمير؟ وهم الذين احترفوا هذه الوظيفة الدنيئة بكل جدارة وبلا حياء، وهؤلاء أذكياء إلى حدٍّ ما، يتمتعون بوضاعةٍ مقيتةٍ، غير مبدئيين، نفعيين وجبناء، ولاعبين ماهرين يجيدون كل الأدوار، ويكرسونَ أقلامهم لمصالحهم الشخصية، وهم أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة، ويقومون بدور هام وخطير في خداع وتضليل السياسي النبيل، فهم يزيفون الواقع برمته مقابل غنائم شخصية ويضحون بالمصالح الحيوية للأمة والوطن في سبيل تحقيق أطماعهم الذاتية. وبما أنَّ هدفهم في العيش هو براغماتي في الأصل، فهم يعملون على أنْ تتطور أدوات المجتمع دون تطور لغتهم المرافقة طبيعيا لتطور الأدوات بحيث يخدمون في ذلك حياتهم البراغماتية، ويسعون إلى تجميد المفاهيم وفبركتها بحيث تخدم أهدافهم المرحلية، ويزينون الواقع بغية إقناع الجماهير المعذبة والمسحوقة كرامتها الإنسانية بما يخدم غاياتهم، وهم العدو اللدود للحقيقة؛ ويبذلون كل جهدهم حتى لا تظهر إلى الناس. هؤلاء يعرفهم الوسط الثقافي بدون أي جهد، فتراهم على الكراسي الثقافية والصحفية يمارسون هذه الانتهازية الوضيعة كل يوم؛ وبوسعهم أنْ يمسحوا أحذية المسؤول عنهم مقابل مكوثهم على تلك الكراسي المهانة. الشعب يمقتهم، لا ناموس في دمائهم ولا قطرة حياء على جباههم، بل إنَّ المومس أشرف منهم بكثير. بينما ترى خصال المثقف الثوري “الراديكالي” على العكس منهم تماما؛ فهو إنسان مبدئي بطبعه و مبادئه و أفكاره، يتحمل كل شئ في سبيل مبدئه، شجاع وموضوعي، لا يبني حياته على شقاء الآخرين؛ بلْ يضحي بسعادته ومعيشته اليومية في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية، يرى سعادته في سعادة الآخرين، ناقد متحرك سلاحه الحقيقة التي يكرس كل حياته للكشف عنها وإظهارها للناس، يدرس الواقع كما هو وبما أنَّ الواقع يسير وفق قوانين موضوعية خارجة عن إرادة الإنسان؛ ولكون الحقيقة تغير شكلها في كل مرحلة؛ لذلك فهو في بحث دائم عن الحقيقة ليكشفها و تصبح بذلك مناراً يسير عليه الناس. لا يقبل الظلم والقهر، إنسان كادح يبحث عن نقيضه، وهو يدرك تماماً بأنَّهُ إذا بطل القانون أو أوقف عن الفعل تحوَّلتْ حياة البلاد إلى صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا شجر ولا هواء. في حين ترى نظرة الناس نحو الانتهازيين مليئة بالشفة والاحتقار في آن واحد، لأنَّ الانتهازيين يصرُّونَ على نهجهم الخسيس؛ ومع حصولهم على المكاسب والسحت الحرام من كل حدب وصوب؛ يظنون أنَّ تلك المكتسبات التي ظفروا بها ستشفع لهم من ممارسة ذلك الدور المنحط في حياتهم، لكنَّ الذي لا يدركونه أنَّ أطفالهم حين يكبرون سيمضون حياتهم في ذلٍّ وإهانة بسبب سلوك آبائهم الانتهازي، وربما حتى نظرة الناس لأبنائهم ستكون مليئة بالشفة والاحتقار أيضا، برغم أنَّ الأبناء لم يرتكبوا تلك الانتهازية في حياتهم؛ وكل جريرتهم أنَّ آباءهم كانوا من الانتهازيين، وبذلك يظلم هؤلاء الانتهازيين ذريتهم القادمة بسبب سلوكهم البرغماتي المهين في مشاوير الحياة، صحيح أنَّ هؤلاء ينجحون في تحقيق شهواتهم وثرواتهم ويعيشون في بحبوحة ونعيم وافر على حساب ضمائرهم ورجولتهم، لكن هذه الامتيازات التي يحصدونها تتحول إلى جحيم أمام أنظار أبنائهم عندما ينضجون ويعرفون تلك الحقيقة الموجعة عن آبائهم الانتهازيين؛ وإذا ما أجرينا مسحاً سريعاً على الحياة الثقافية في البلاد، سنرى أنَّ كثيراً من هؤلاء الانتهازيين في المنطقة الخضراء ومجلس النواب وفي المؤسسات الثقافية والصحفية، وهم من أخطر الانتهازيين الذين ترعرعوا على برغماتية فاحشة منذ سنوات طوال، وليس عجباً أنْ نراهم يجلسون على مقاعد حكومة الأحزمة الناسفة والمفخخات أيضا، إذا ما أمسكت بزمام البلاد لا سمح الله. فانتبهوا لهم أيها الناس وابصقوا على وجوههم أينما تصادفوهم؛ لأنَّ هؤلاء الانتهازيين النعاج، هم السبب الجوهري في الفساد والدمار والفوضى التي نراها مستفحلة في ربوع البلاد الآن.
حسن النواب