روعة أوجيه:
لفت انتباهي فيديو يتحدث عن مرض ما فظننت أنها قصة قصيرة تريد أن تقرأها مقدمة برامج في الجزيرة اسمها روعة، لكن حين سمعتها أحسست بإحساس مبهم تماما، فالتعاطف معها لا يعبر عن الحالة فهذه السيدة بعمر احد أبنائي، ودخلت معاناة طويلة وزمن طويل، لكني وجدتها تعبر عن امر فعلا أحسه ولم افكر بالتعبير عنه أو شرحه لاحد، وهو ما اصطلحت عليه السيدة روعة( وجه الوجع)، وهو الم نفسي عند كل مريض بمرض مزمن ويترقب الشفاء ولا يناله، فيتفاعل في داخله، يحاول أن لا يقرأه الناس لأنه سيضطر أن يشرح لهم الم يعاني منه وانه ليس متجهماً منهم بل يود الجلوس معهم لكن مرضه يمنعه أن يطيل الجلوس أو الاسترخاء بوجودهم، وانه ليس مكتئبا منهم وإنما فكره متفاعل مع مرضه الذي يتعبه، فالألم النفسي من صراع اليأس بالشفاء، أو فقدان نعمة من نعم الله وهي الصحة بكل أنواعها وتفاصيلها ليس كألم الجسد فما بالكم حينما يجتمعان، أستبدو شكوى من قدر الله وأنت لابد أن تشرح لان الناس لن تتفهم أن المك يمنعك، بل سينسب لتكبر أو كسل أو عدم اهتمام أو ما يخطر ولا يخطر على بال، فان ادرك من ادرك أو لم يدرك وإنما أراد رد ما اعتبره شكوى وليس تبرير، انه سيقول احد اثنين، أما أن يبدي انه مرضه اكثر منك، أو انه سينصحك بالصبر وكأنك لست صابرا، واحيانا هنالك من سيتكرم ويصف لك الأدوية وكان المختص الذي تراجعه غافلا عن حالة ربما يشاهدها في عمله اكثر من رؤيته للنهر الذي يعبر جسر يقطعه.
سينسى حتما الناس شرحك لان الأمر ليس أولوية عندهم وسينسون كل ما يتطلب الأمر من دعم، وسيطرح السؤال مرارا ثم ستعيد جوابك مرارا، فتضطر أن تنعزل ثم يكتئب من لا هواية له أو عمل، فالإنسان اجتماعي بطبعه ويحب أن يكون مع الناس لكنه كما قالت “روجيه” لا يحب أن يزوره احد لأنه ربما لن يستطيع أن يتحمل جلوسه المتواصل لفترة اكثر مما يتحمل زمنيا، وهنا ستظهر على وجه علامات الوجع التي ستفسر من الضيف أنها ضجر من وجوده وان فلان يجحد اهتمامه وزيارته وواضح انه لا يصدق متى يقوم، وربما سيقول انه طردني وان لم يقل فعلا قم وغادر بيتي.
المشكلة والمعاناة:
هنالك مشاكل تحدث للإنسان فينصح من يعرف بها بالصبر والمطاولة والنصيحة صادقة فعلا لكن لا يدرك معاناة من تظهر عليه مؤثرات المشكلة إلا هو، وان مر بذات المشكلة من يخفف عنه وقعها بنصحه وتصبيره، فلمطاولة والمقاومة وتلقي الصدمات ليس واحد في أثره وأبعاده.
الحزن يحس به أي إنسان وهذا لا يضعف من إيمانه فهو امر تتغلب فيه العواطف على إدارة المعرفة ولولا أن نبيا أصيب بالحزن لدرجة ابيضت عيناه ما كنت لاعتبر هذا الأمر إلا ضعفا للإيمان وبعدا عن الرضا، ومع هذ تبقى لنظرة الإنسان إلى الإيجابية والسلبية ومدى توازن انتقائها عنده لها الأثر في حجم المشكلة وبالتالي المعاناة منها ولا يسلم من الضعف احد إلا من جعل الإيجابية هي مراده ونظرته، وكان شفافا تماما في قبول أي حدث وهذا تمام المطاولة بالصبر وادراك الحدث بانه عرض زائل وليس مقيما، وان أقام فلابد من بدائل ، وان لم يك بدائل فلن يحل الأمر تجاوبك وقهرك وشكوتك.
الحياة ببساطة:
هنالك أمورا قضاها الله وهي ليست باليد كخلق الكون وما يحيط بنا مما لا سيطرة لنا عليه، وهنالك قدر مما هو موضوع وسنن الكون عليك الأخذ بها، وهنالك المرض والرزق وهذه الابتلاءات التي لا تتحكم بها، فالحياة ليست موضوع تحكم وإنما إدارة المتاح، فان أنت أدرت المعطيات تمكنت، فمثلا الطبيب الذي تراجعه، الأدوية التي تأخذها، العمل الذي تقوم به، إمكانية تغييره وكيف تغيره، أين تفتح محل أو مطعم، هذه أسئلة ممكن أن تكون موضع التفكير والتغيير.
لا ينبغي أن نتألم لما مضى أو نخاف من القادم فالتألم من الماضي هو نوع من الندم على فعل انتهى وظهرت نتائجه، وهذا محبط يولد التردد والتردد حاضنة العجز والعجز جالب للخوف، فما بيد الله لا تتعب ذاتك به فهو وكيله وحلاوته أن الرزق بيده وهو عادل والرزق ميزان الذهب بدقته، لكن مهما تحدثنا فلن نوقف الندم ولكن ممكن أن نتجنبه بحسن التخطيط، فان لم ننجح فقد فعلنا مستطاعنا، والخوف أيضا كإحساس سلبي هو دوما في أمور لم تأت، وتعالج بالتخطيط أيضا لتجنبها أو الإعداد لمواجهتها، والإيمان أن لا شيء ممكن أن يؤذيك إلا ما هو كائن ومن نفسك عندما لا تخطط ولا تعد لمواجهته ولا تختار الآليات الملائمة لتجنبه أو منعه.
الخلاصة: إن أحداث الحياة كثيرة، ولنحاول أن نتجنب سلبياتها بحسن استخدام المنظومة العقلية، وإننا مهما بلغتا فمواطن ضعفنا هي من تظهر كشر في حياتنا، وأننا لا نتغلب على الحزن دائما أو نحقق النجاح، لذا لابد أن نتفهم بعضنا، ونفكر قليلا في عون من نراه تعبا على الأقل في عذره وسلامته من سوء ظننا أو الإثقال عليه والاكتفاء بإحساسه أننا معه، هذا إن عجزنا فعلا عن مساعدته دون إهدار لكرامته أو خصوصيته.