لابأس بل من الامور المحببة أن يجعل كل منا له قدوة ورمزاً يحذو حذوه ويضعه سراجاً منيراً يضئ له ظلمة الدروب الكالحة في خضم الظروف الصعبة، والاحداث المتشابكة ،ويهتدي بمنهجه مثل اختيارنا لرسولنا العظيم محمد (ص) رمزاً وقدوةً، وهو ما لم يختلف عليه اثنان من المؤمنين في عالمنا الاسلامي، وهو الامر الذي كان يطلبه منَّا مُدرسونا، فهو قدوتنا في الدين والتوحيد والتحمل والصبر والاخلاق الكريمة والامانة وصفات يعجز لساني عن ذكرها وتخونني الكلمات في وصفها، وهكذا نختار لأنفسنا أفضل الرموز ونقترب كثيراً من تحديد نوع الرمز بحسب الظروف التي تحيط بنا والخطوب التي تُطوّقنا فنختار سياسياً محنكاً يخرجنا من المأزق أو عسكرياً وطنياً يُخلصنا من عدو أو فيلسوفاً ومفكراً يقدَّم لنا العِبر بشكلٍ يزيلُ عنَّا الالتباس، ومهما تكلمَّنا واطنبنا فإن القدوة والرمز يبقى موضوعاً إعتبارياً قيمياً محبباً ومستساغاً إذا ما كان لا يأخذنا الى عالم يُنسينا ذواتنا ويحولنا الى مسوخٍ وببغاوات وقطيعٍ يتبعُ ولا يفكرُ وينتجُ، فأننا نحتاج الرموز لنبني قيماً ونختار منهجاً يجنبنا العثرات والمخاطر لكن لا يُصادر إراداتنا وتفكيرنا الذي يجب أن يكون حّراً نيَّراً مبدعاً لنكون نحن رموزاً لغيرنا من الجيل القادم، فظهور مخترعٍ ومطورٍ ومبدعٍ في المجالات كافة يعني وجود صناعة حقيقية لرموز اسهمت وستسهم بإيجاد مستقبل حافل بالمنجزات ومجتازاً للازمات ،يميل فيه الجميع الى الاختيار الامثل للرموز من دون صنمية تصل الى حدود العبادة عند بعضهم ،وهذا ما انتجته الحضارة الصينية على سبيل المثال كونفوشيوس والكونفوشيوسية ،وليجد بعضاً منَّا انفسهم وقد اختزلوا العالم وحياتهم بشخص واحد واصبحت اوهامهم تدور حوله فهو محورهم المقدس الى درجة انكرت وجود الاخرين ،وهمشتهم وصادرت افكارهم وجعلوا حياتهم اليومية رهناً لتصرفاته وما يتفوه به أو يتصرف وهكذا انبرى كل متخلف جاهل وشبه مجنون لخلق حالة تقديس نفخ فيها من روح تخلفه ونسج حولها الحكايات والروايات معتمداً على خياله الخصب المنحرف، وهذا ليس في مجال الدين فحسب بل في مجالات مثل السياسة والفكر والفن ..الخ، ومع انتشار فلسفة الظاهرة وشيوع روح التقليد بعد الاعتناق والانقياد اختفت بسبب انتشار صور الرموز وشعاراتهم مفردات مهمة كان لها وقعٌ في حياتنا وكان من المفروض تحكيمها وجعلها هي اساس لفهم كل قدوة وهي بوصلة التقييم ومنها مفردة النهوض التي لم نعد نسمع عنها مع انتشار خطب الرموز وتعدد مصادر شيوعها وانتشارها ولحقت بمفردة النهوض مفردة أخرى رديفة لها في الفعل والاتجاه وهي التقدم فقد رهنا كل خطواتنا برموز وصور مجدناها واهملنا ما يجب أن يكون اساس لخطابات المرحلة وهي الدعوة الى التقدم وكانت المفردة الاخرى التي ذابت مثل سابقاتها هي مفردة التطور، اذ التحقت الاجيال بحياة الفُوضى وشعارات الوهم والايهام ونست مسألة مهمة وهي ان الشعوب المتقدمة والناجحة هي من جعلت من التقدم رمزاً لنهضتها وتقدمها لا ان نملأ الشوارع بصور شخصيات هي انفسها ربما تكون رافضة لهذا الانتشار المبالغ والمهول الذي ملأ الشوارع وزاد الطين بلة ،ان تجد صوراً ولافتاتٍ بشعاراتٍ ضخمة تنتشر في اماكن معينة فيها مشاريع ومقاولات ومصالح، إذ إن هذه الصور واللافتات إنما وضعت ليحتمي خلفها فاسدون، وهكذا اسهمت صور وشعارات النفعيين بإذابة مفردات النهوض والتقدم والتطور.