قبل مئة عام بتاريخ 24 تموز العام 1923، وقعت الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى اتفاقية في لوزان بسويسرا، وأصبحت الجغرافيا التي تسمى الآن إقليم كوردستان العراق جزءًا من جغرافية الدولة العراقية. ولكن منذ ذلك الحين وحتى الآن لم يتمكن العراق من الانخراط في عالم الحداثة والتطور في توحيد الرؤى نحو وطن المواطنة. لأنه منذ ذلك الوقت، ونتيجة للصراع الطائفي والعرقي يتراجع يومًا بعد يوم، والآن تجاوزت الأحزاب السياسية بشكل عام الصراع القومي والطائفي التقليدي، إذ إن لكل طائفة وقومية في وقتنا الحاضر العشرات من الأحزاب السياسية، ولا يعترف أي منها بالآخر. كما للسنّة والكرد قوى ومجموعات سياسية متنوعة تتنافس مع بعضها بعضاً.
إن الخلافات كثيرة بالرغم من مناصب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب واضحة للعيان، لأنه منذ العام 2005 ، كان منصب الرئيس تقليديًا الكرد، ورئاستا الحكومة للشيعة ومجلس النواب للسنّة ، ومرة أخرى نراهم في كل دورة يختلفون ولا يتفقون. وقد أدى هذا الصراع غير الصحي بالعراق إلى حافة الانهيار والبطالة والفقر وارتفاع معدلات التضخم، فقد الاقتصاد العراقي استقلاليته وبقي ضعيفا، لأنّ دولاً إقليمية وفي العالم استغلت ضعفه للتدخل بشأن الدولة العراقية، ومعظم الفرقاء السياسيين يسعون وراء مصالحهم الخاصة، كما يقول الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر: “کثيرون حول السياسة.. قليلون حول الوطن”. كان يجب على جميع الأحزاب السياسية العراقية ومن جميع الطوائف والأعراق والأديان أن تفكر في مصالح المواطنين العراقيين، وليس من أجل مصالحهم الخاصة كما يقول محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي: إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فيجب وضع الحصان أمام العربة”، فلا بد أن يكون هو الخيار الأفضل إذا ما أردنا الحفاظ على هيبة العراق وكرامته كدولة قوية في المنطقة والعالم وخاصة اقتصاديًا، لأن كرامة أية دولة قوية تعتمد بالضرورة على قوتها الاقتصادية، فبدلاً عن الصراع بين الفصائل السياسية والجماعات العرقية والقبائل، ستكون هناك منافسة من أجل التنمية الاقتصادية بين الاقاليم الثلاثة، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والسياحة والإسكان. فضلا عن القطاعات المهمة التي تعدّ العمود الفقري للدولة المتقدمة مثل: التعليم، والصحة، والطرق، وغيرها. وخير دليل على استخدام فكرة الأقاليم المتقدمة، فتقدم إقليم كردستان العراق الذي عرف في وسائل الإعلام الدولية والعربية بالعراق الآخر، إذ بدأ نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، عندما كان رئيساً لوزراء الإقليم، خطوات التنمية والاستثمار في مختلف المجالات، فالمواطنون العراقيون بدلا عن الذهاب الى تركيا وإيران ولبنان للسياحة غيروا وجهتهم نحو المدن الكردية في إقليم كردستان بالسيارة الخاصة. ومن أجل الاستفادة من هذه التجربة، ثمة ضرورة تاريخية وسياسية واقتصادية لإنشاء ثلاثة أقاليم قوية، ضمن دولة فيدرالية قوية، وليس تعدد مصادر القوة بمركز صنع القرار في العراق، ولاسيما بعض القوى السياسية الشيعية الذين يريدون للعراق أن يصبح حكمًا مركزيًا مثل عهد صدام حسين. الأمر الذي ستكون له نتائج وخيمة، وسينهي تجربة ما يسمى الآن بجمهورية العراق الفيدرالية. ما نراه في الواقع هو أن هناك جهة واحدة تحتكر سلطة اتخاذ القرار، فهي تتخذ القرارات وتتجاهل الآخرين. لقد سخروا كل قوتهم وما يتمتعون به من ممكنات في تهميش المكونات والأديان والمجتمعات الأخرى. وأخيراً يمكن القول إن الدولة العراقية ستكون قوية في ثلاثة أقاليم، بدلاً عن التحرك نحو الوسط، لأن تجربة المئة عام الماضية، تخبرنا أن ثمة هيمنة لبغداد على جميع الأعراق والأديان والطوائف.