حقيقة جوهرية لابد من وضعها نصب اعيننا مفادها ان استثمار العقول او بمعنى ادق بناء الانسان هو اللبنة الاساسية لبناء مجتمع معافى قادر على التقدم والازدهار،فقط الشعوب المتخلفة هي التي تعتمد على ثرواتها الطبيعية اي الدخل الريعي وتنظر الى باطن الارض لتحسب ما الذي تخرجه كي تعيش دون اي اعتبار للمستقبل. يعرف البنك الدولي التعليم بأنه حق من حقوق الانسان ومحرك قوي للتنمية وأحد اقوى ادوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار فيما تذهب منظمة الامم المتحدة للطفولة–اليونسيف الى ابعد من هذا في توصيفها للتعليم وتعده شريان حياة وليس مجرد حق ، وهندسة مجتمعية تحضر اجيال الحاضر لاستحقاقات المستقبل .في السنوات الاخيرة تعرض قطاع التعليم في بلدنا لانتكاسة عميقة اذ تكالبت عليه عوامل عدة وقفت عائقا امام تقدمه منها تفشي جائحة كورونا التي ادت الى اسوأ ازمة تعليم على مدى قرن ، كما ان الحروب والاضطرابات والازمات الاقتصادية والفساد الاداري كلها قد استنزفت ميزانيات كان من المفترض بناء مستقبل واعد بها للاجيال، ففقدت منظومة التعليم جدواها وصارت مناهج الامية هي القاعدة .ففي العراق تصل نسبة الامية الى 31% بين الذكور والاناث بعد ان كان يتبوأ مراكز متقدمة في جودة التعليم بل كانت الامية فيه صفرا . ان عدم الاهتمام الجدي من الحكومات المتعاقبة وانتشار المدارس الخاصة وأغلبها فتح ابوابه لغرض التكسّب التجاري لا لرفع مستوى الطلاب علميا ومعرفيا. اضافة الى ظاهرة المدرسين الخصوصيين والمعاهد والمدارس الصيفية التي تستنزف طاقة الاهل ماديا ونفسيا اضف لذلك الى الافتقار للتخصيصات المالية للتعليم في الموازنة العامة وغياب التخطيط الاستراتيجي والبرامج الجادة المعنية بتطوير المناهج ،تلك المناهج التي اصبحت تزداد صعوبة بشكل غير مسبوق وغير موضوعي وباتت تشكل رعبا للاهل والاطفال على حد سواء..تسبب ذلك في تسرب خطير بين صفوف الطلاب .ان البلد في حاجة الى عشرات الالاف من المدارس الحكومية ما يعني ان ادارات المدارس حاليا تضطر الى تكديس اعداد كبيرة من الطلبة في الصف الواحد تتجاوز حدود المعقول .نحن بحاجة ماسة الى ارادة صلبة ونيّة حقيقية للنهوض بالعملية التعليمية ووضع الحلول الناجعة لايقاف هذا التسرب الذي يهدد البلاد بالتوجه نحو الامية !!