لم نسمع في اية دولة من دول العالم المتقدم عن وجود تعدد مراكز القوى في القوات المسلحة الذي يجعل في البلد الواحد عدة قوى مسلحة مستقلة كل منها بكيان مسلح منفصل عن القوات الاخرى فكل ما نعلمه في تلك البلدان هو وجود جيش واحد يتولى حماية الحدود وشرطة واحدة تتولى حماية الأمن الداخلي اضافة الى جهازي المخابرات التي تتولى متابعة الأمور الخارجية التي قد تمس بأمن البلد والامن الداخلي الذي يتولى مراقبة أمن البلد من الداخل وبالتعاون مع قوات الشرطة فيه مما يؤدي الى توحيد الجهود في حماية البلد داخليا وخارجيا وبأمرة واحدة يكون مسؤول عنها القائد الاعلى للقوات المسلحة والذي غالبا ما يكون هو رئيس الدولة التنفيذي ويعاونه وزيرا الداخلية والدفاع وهذا نظام منطقي يسمح بضبط القيادة والسيطرة لتلك القوات وبكل الظروف الطبيعية والطارئة.
اما في دول ما يسمى بالعالم الثالث ومنها اقطارنا العربية فإن قادة هذه الدول ، والذين هم في الغالب لا يتسلقون مناصبهم الا بالإنقلابات العسكرية ، يحاولون انشاء العديد من مراكز القوى اضافة الى الجيش الطبيعي ويتم الاعتماد الاكبر على تلك القوى على حساب الجيش الأساسي مما يؤدي الى قلة الإهتمام به مقارنة بتلك المراكز من القوى المسلحة التي يقوم بإنشائها الحاكم لحماية نفسه وعرشه الذي ما ان يمتطي صهوته حتى لا يفكر الا في كيفية الحفاظ عليه وكأنه احد عقاراته الشخصية والتي يجب ان لا يتجاوز عليها احد وهو يظن انه يحافظ عليه بتكوين القوى المسلحة المتعددة والتي بالإضافة الى ما تحتاجه من نفقات اضافية تثقل كاهل الدولة وموازناتها من حيث التسليح والرواتب والمقرات فإنها ستولد نوع من الخلافات والندية بينها وبين القوات المسلحة الاخرى الموجودة اصلا مما ينذر بفتن هي اخطر من كل الفتن التي تجتاح اي بلد لأنها تقع بين قوى مسلحة تمتلك اسلحة فتاكة غير التي يمتلكها الناس البسطاء اذا حصلت الفتنة بينهم وسيكون الخاسر الاكبر فيها هو الشعب وبناه التحتية وكل ممتلكات ومؤسسات الدولة الحيوية وما يجري الان في السودان هو خير دليل على كل ما تقدم ويجب أن يكون عبرة لكل حاكم حريص على وحدة بلده وشعبه. هنا يكون السؤال الذي يبحث عن إجابة هو لماذا الاصرار على تعدد تلك القوى المسلحة في هذه البلدان ؟ والإجابة لا تتجاوز كون ان الحاكم غير مقتنع بموقفه وسياسته إزاء شعبه لأنه اما جاء بالقوة العسكرية (اي بالانقلابات) او بسيطرته على صناديق الاقتراع عند كل انتخابات بحيث لا يمكن ان يفوز غيره ولا يمكن ان تكون نتيجة الانتخابات اقل من 99.9 % من أصوات الناخبين وبهذا يبقى خائفا على كرسيه وعرشه ويعمل على احاطة نفسه بالعديد من خطوط الدفاع المسلحة ولا يتنقل داخل بلده الا وهو محاط بأرتال من الآليات المدرعة وسماءه محمية بأحدث الطائرات العسكرية املأ في البقاء اطول فترة ممكنة ممتطيا صهوة عرشه وما يدري ان المثل الشعبي العراقي يقول ( الخايف ما يلمه الزور ) والزور هو نوع من الغابات التي تحاذي الانهار ومعنى هذا المثل ان الخائف غير المقتنع بمواقفه لا تحميه الغابات مهما كانت كبيرة . بينما نلاحظ كل رؤساء العالم المتقدم الذين يصلون لمناصبهم بالطرق الصحيحة الشفافة يعتبرون تلك المناصب مجرد وظيفة لخدمة شعبهم وليس عقارا من عقاراتهم الخاصة فتراهم يسكنون شقق عادية ويتنقلون بلا مواكب ولا ارتال عسكرية وربما حتى بلا حماية ولو بسيطة بل والبعض منهم يتجول في الأسواق ويتنقل من سكنه الى مقر عمله بدراجته الهوائية . من كل هذا يتبين لنا أن من وثق بنفسه وسياسته ومواقفه تجاه شعبه ووطنه لا يحتاج إلى جندي واخد لحمايته لأنه سيكون محميا بشعبه ولهذا عليه أن يركز جهده على بناء جيش قوي واحد وشرطة موحدة بدلا من تشتيت القوى المسلحة وهدر الأموال العامة في الصرف غير المحدود عليها .