معظم رؤساء الحكومات العراقية زاروا مصر، وخرجوا من هناك بتصريحات حلقت عاليا في الهواء ولم تنزل حتى الآن الى الارض حول التعاون الكبير والمشاريع الطموحة. وبعد عشرين سنة، لا يكاد التعاون بين البلدين يتجاوز صفقات بيع وشراء عادية، بالرغم من الكلام الكبير الذي قالته الحكومة السابقة في بغداد.
كان هناك على نحو مستمر في العراق منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي ثلاثة ملايين من العاملين المصريين في مختلف القطاعات. والعمالة المصرية سبقت في وصولها الى العراق مرحلة الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980-1988، تلك الحرب التي احتاج خلالها العراق الايدي العاملة المصرية حين كان معظم الطاقة البشرية العراقية منغمسة بالقتال على الجبهات.
وكانت تجربة العمالة المصرية في العراق ذات جوانب اجتماعية واقتصادية، فيها السيء والجيد، وانعكست على ثقافة العمل في البلد ونوعيته وكذلك على مستوى النسيج الاجتماعي. غير انّ حرب غزو الكويت وما بعدها حرب احتلال جيش “بوش” العراق، وما تبع ذلك من حروب داخلية، كلها كانت عوامل مباشرة وقاسية انهت الوجود المصري في العراق وجعلته من الذكريات التي من الصعب أن تتكرر.
غير انه لم تقم اية حكومة عراقية في مخططاتها ،إن وجدت، بتكليف الخبراء المعنيين في دراسة تجربة استقدام ملايين المصريين الى العراق من اجل العمل في ميادين منظمة وأخرى شبه عشوائية. البلد يحتاج الى التوقف في التحليل لدراسة مسار العلاقات مع مصر أكبر الدول العربية في السكان، ومن أبرزها في الصناعات وسواها.
هل ينبغي التفكير بالتعاون مع مصر في خلال أوقات الازمات فقط كالحروب وما شابه؟
أليست هناك حاجة في مجالات التنمية وإعادة الصناعات العراقية الى سابق عهدها أن تكون هناك خطة لتلقي الدعم من مصر في مقابل موارد نفطية أو استثمارات؟
هناك مجالات كثيرة يستطيع العراق الإفادة من خلالها من مصر، وكذلك تستطيع مصر أن تعاود الإفادة من الإمكانات العراقية، عبر أبواب جديدة تتجاوز تصدير الايدي العاملة غير الماهرة.
الزيارات عالية المستوى هي مفاتيح للبوابات التي يمكن ان تتحول الى تكامل اقتصادي بين بلدين كبيرين، لم يرتقيا الى المستوى الأمثل في التعاون والعلاقات، منذ أن ولد بصيص أمل مع فكرة قيام مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر والأردن واليمن، ثمّ أجهضها غزو الكويت 1990وانفراط العقد العربي.