“الكاتب صادق السامرائي”
الأمة فيها عقول متنورة نابغة متميزة , وعلى مر العصور , لكنها تلحق بها الهزيمة , ويقود الحرب عليها أصحاب الكراسي المعززون والمؤيدون بطوابير الفقهاء المتاجرين بدين.
فالعلم والعقل يمنعان التبعية والخنوع المرير , وإستعباد الناس بإسم الدين يؤمّن حاجات وربحية المتاجرين به بأنواعهم ومسمياتهم.
والأمة لم تكن غافلة عن عصرها وأسباب القوة والتقدم فيه , غير أن المتأدينين الجاهلين الحافين بالكراسي , ثارت ثائرتهم وزعموا أن الوافد من الغرب بدعة وكل بدعة ضلال , وعلى الكراسي أن لا تشجع العلم
لأنه بدعة ضالة , وسيبعد الناس عن الدين.
وأذعن عدد من قادة الأمة وسلاطينها في بداية القرن التاسع عشر لرأي أدعياء الفقه والدين , فتعطلت النشاطات العلمية وتجمدت العقول , ورقدت الأمة على جرف عصرها , والنهر العلمي يجري من حولها بتدفق سريع , ومضت على هذه الشاكلة لأكثر من قرن , حتى إستفاقت وإذا هي في وادٍ والدنيا في وادٍ آخر.
وسنحت لها العديد من الفرص في القرن العشرين , إلا أنها بددت طاقاتها وبعثرت جهودها , وفشلت في إرساء دعائم نظام حكم راسخ قويم , فتوالت عليها الإنقلابات , وتشوّه معنى الوطنية والسلوك الوطني , وإندفع قادة إنقلاباتها العسكرية نحو الحروب العبثية الخالية من الرؤية والقدرة على إستشراف المستقبل.
فإنتهى الواقع إلى ما هو شديد في بعض دولها , التي أعيد إليها الإحتلال بأساليب جديدة , وتنصبت فيها حكومات تؤدي مهام الدول التي تساندها وتبقيها في سدة الحكم , ولا يعنيها الوطن والمواطنين , فالمهم أن تغنم ما تشاء وتعيش في رخاء ونعيم , وتدوم في باحة الكرسي الجحيم.
وتجدنا اليوم في أمة لا تريد عقولها , فتهجرهم وتقهرهم بل وتقتلهم , وتهددهم بالوعيد المبيد , فيذهبون إلى ديار الآخرين , وكأنهم ليسوا من ثروات الأمة وطاقتها التي بها تكون.
فإلى متى تبقى ديارنا طاردة لعناصر إقتدارها , وجاذبة لمن يذلها ويستنزفها؟!!