أصدر الوالي مدحت باشا، جريدة الزوراء، يوم 15 حزيران 1869 لتهدئة الرأي العام ضد الحكم العثماني المتهاوي المترنح،الذي في طريقه للسقوط، فـ ” ماذا عدا مما بدا” عقب مائة وأربعة وخمسين عاماً، ما زالت الصحافة مشنوقة بحبل السياسة!؟
أدت دوراً فاعلاً في ثورة العشرين، ولم نرَ لها بعدها أثراً بيناً لا في التعبئة الجماهيرية ضد السلطة الغاشمة، ولا في تصحيح مسارات الدستور الذي لخصه الشاعر عبد الغني معروف الرصافي: “علم ودستور ومجلس أمة.. كل عن المعنى الصحيح محرف” والصحافة تتفرج تؤيد خطوة ما، إذا تنكرت لها السلطة.. تنكرت لما أيدت قبل أعداد من صدورها!
“شعرة معاوية” أقرب تصور لأداء الصحف العراقية على مدى 154 عاماً، لذا ونحن مقبلون على الاحتفال بالعيد، لا بد من ترك الشعارات بهذا اليوم والتذكير بحرية الصحافة وإعطاء مساحة أكبر للصحفي الذي أصبح نادراً بعد شراء الأقلام في بلد كثرت فيه القنوات التابعة للأحزاب وعدم وجود منبر حر محايد وطني إلا ما ندر… وأقل من الندرةِ ندرةً!
ماتت الصحافة، ونعاها المطرب الميساني سيد محمد: “إنهم يحسدونني على موتي.. فوا عجبي.. حتى على الموت لا أنجو من الحسد” يتهافت أنصاف الموهوبين وأرباع الجميلات و”أثلاث” الـ… على العمل في صحافةٍ ميتة، تمدح الشيطان إذا دفع مالاً وتذم الملاك إذا أحجم عن الدفع آملاً أن تأخذ الحقيقة مكانها من دون رشا، ولن يأخذ الحق سوى قنينة مدببة يقتعدها في مجلس النواب أو خازوق معدلً،
يجد الاعلامي الغيور بصفحاته الشخصية منصة لقول الحق وحتى هنا لا يسلم! إذ تشن عليه جيوشهم الالكترونية هجومات تطعن بشرف البنت ونزاهة الرجل؛ لتكميم الضمير من الداخل؛ كي لا يعود قول ما تداعى إليه ضميره.. تنكيلاً.
كانوا قبلنا معارضين وعندما تولوا الحكم اعترفوا بفشلهم.. يمنعوننا من قول الحق!
الاحتفال الأمثل بعيد الصحافة، هو الدعوة الى اعتلاء الكلمة الصادقة منصة الحوار بعيداً عن المؤتمرات والشعارات، فالعراقيون نافرون وليسوا كسواهم في تقبل تكميم الأفواه، مهما بالغت السلطة في تشريع القوانين المصادرة للحريات، ومهما انتشر القمع فهو ينذر بخطر ذي شر مستطير.
“نيرون مات ولم تزل.. روما بنكبتها تقاوم”.