– منذ العام 1955 كنتُ (انا. هادي حسن عليوي) مستمعاً جيداً لخطب الرئيس جمال عبد الناصر من إذاعة القاهرة.. وما أكثرها في تلك الفترة.
– وكنتُ أحفظها عن ظهر قلب.. بل أشرحها بشكل لا يصدق.
– كان والدي (رحمه الله).. يجيب عن كل استفساراتي عنها.. وكان عمري آنذاك 15 سنة.
– فترعرعت قومياً عربياً متفتحاً.. كأكثرية أبناء جيلي آنذاك.
– وهكذا عندما قامت ثورة 14 تموز 1958.. كنتُ أنا أحد القوميين الناصريين النشطاء فكراً.
– لكن ليس بالأسلوب الغوغائي الذي مارسه غالبية: قوميو.. ويساريو.. تلك الفترة أبداً.
– وفي فجر يوم 14 تموز 1959.. (أي يوم الذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958).. القيً القبض علينا من قبل بعض أفراد الانضباط العسكري.
– بالقرب من مدرسة الإعدادية المركزية القريبة من وزارة الدفاع.
– عندما كنا نخط بصبغ البوية على السياج الخارجي للمدرسة شعارات ضد الزعيم عبد الكريم قاسم.. والدعوة لإسقاطه.
– واقتادنا أفراد الانضباط العسكري إلى وزارة الدفاع.. لكون مقر الانضباط العسكري فيها.
– كذلك كان مقر الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع أيضاً.
– كنا خمسة (أنا – هادي حسن عليوي- ونجاد.. ومهدي.. وستار.. وصباح).
– وهم: من ابناء فضوة عرب القريبة من الباب الشرقي من جهة شارعي الكفاح والجمهورية.. ونجاد فقط من منطقة الكرخ.
– اما انا فسكننا في منطقة البتاويين.. لكن محل والدي للكوي البخاري.. في منطقة فضوة عرب.. وانا اساعد والدي بالعمل.
– بعد حوالي ثلاث ساعات في نظارة وزارة الدفاع.. حقق معنا العقيد الركن عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري.. وبشكل متشنج.. لكنه لم يتجاوز علينا بالضرب.
– وفي الساعة العاشرة من صباح نفس اليوم أدخلنا الجدة إلى قاعة كبيرة ومؤثثة.
– ولم تمر عشرة دقائق حتى دخل علينا الزعيم عبد الكريم قاسم.. ترافقه ثلة من كبار الضباط.
– أتذكر منهم: الزعيم الركن أحمد صالح العبدي: الحاكم العسكري العام.. والعقيد فاضل عباس المهداوي: رئيس محكمة الشعب.. والمقدم وصفي طاهر.. والنقيب جاسم العزاوي.. مرافقي الزعيم إضافة إلى العقيد الجدة.
– سلمً علينا الزعيم عبد الكريم قاسم.. وصافحنا واحداً واحداً.
– وعندما علمً الزعيم عبد الكريم قاسم إننا جميعا طلاب في الخامس العلمي (لم يكن آنذاك صف سادس اعدادي).
– تأثر الزعيم كثيراً.. والتفتً إلى العقيد عبد الكريم الجدة.. وقال له:
– (كريم: هؤلاء متآمرون!!.. هؤلاء أبناؤنا.. لا بد أن يكملوا دراستهم.. والعراق بحاجة إليهم).
– سكتً الزعيم برهة.. فسألنا العقيد فاضل عباس المهداوي عن الأحزاب التي ننتمي إليها.
– قاطعهُ الزعيم قاسم قائلاً له: (أبو العباس: الشباب ضيوف عندنا ولا نحقق معهم).. وابتسم الزعيم بوجوهنا.
– المهم: قال الزعيم: (بالتأكيد لم تفطروا حتى الآن.. سنجلب لكم ريوك…. ماذا تريدون؟ كاهي السيد بالقيمر.. لو كباب اربيل).
– وهاتان الأكلتان كانتا أفضل الأكلات في بغداد.. آنذاك.
– طأطأنا رؤوسنا خجلاً من هذا التعامل.. الذي لم نكن نتصوره من قبل عبد الكريم قاسم حتى في أحلامنا.
– ثم ترك الزعيم ورفاقه القاعة.. بينما نحن مشدوهين.
– وينظر كل واحد منا إلى الآخر.. دون أن ننطق كلمة واحدةً.
– بعد حوالي نصف ساعة أدخلوا علينا الطعام (من الأكلتين).
– وبعد أن فطرنا.. وشبعنا.. وشربنا الشاي المهيل.. دخلً الزعيم علينا ثانية.
– وخاطبنا الزعيم قائلاً: (أبنائي.. العراق بحاجة إلى كل أبنائه.. خاصة الشباب المتعلم لبنائه.. والبناء سلاحه العلم.
– أرجوكم.. ومن أجل بلدكم أولاً.. ومستقبلكم أن تدرسوا.. وتكملوا دراساتكم وتتخرجوا من الكليات.
– وبعد ذلك اشتغلوا بالسياسة.. سواء كنتم مؤيدين للحكومة.. أم معارضين لها.. فالكل في خدمة العراق).
– بعدها صافحنا الزعيم ثانية.. وودعنا.. وخرجنا من وزارة الدفاع.. ونحن لم نتكلم كلمة واحدة.. حتى مع أنفسنا خجلاً.
بقيً أن اقول: اننا لم نترك السياسة خلال دراستنا.. كما دعانا الزعيم.. بل استمرينا بالعمل السياسي المعارض لقاسم.
– وفي 22 تموز 1962 وانا اخط شعارات ضد قاسم في منطقة البتاويين.. القت عناصر الامن القبض علي.. وحكمتُ سنة ونصف.. قضيتُ اكثر من سنتين في السجن.
——————————-
(الصورة الاولى: صورتي في فترة هذه الحادثة).
(الصورة الثانية: الزعيم عبد الكريم قاسم ).