على الرغم من أني لا أقول بحتمية التاريخ،لكني أؤمن بحتمية قوانين الأجتماع البشري وسياسته. كان ابن خلدون أول من تنبه لوجود مثل هذه القوانين حينما تنبأ بسقوط السلطان بعد انتهاء تأثير العصبية. وكنت قد كتبت أكثر من مرة عن قانون تنافس السلاح في الدول. وكتبت أمس عن مثلث (سمط) الذي يقود حتماً لأنهيار الدول. أقصد ب(سمط) الحروف الأولى من تحالف السلاح المنفلت،مع المال،والطائفية السياسيَين. هذا التحالف (المدنس) هو من (يسمط) الدول ويسقطها. وهاهي أحداث الأنقلاب الروسي جاءت لتثبت من جديد أن السلاح المنفلت لا بد ان ينفجر بوجه الدولة حتى وأن كانت هي التي أنشأته ورعته وطورته.
ضبط سلاح
كان درس السودان قبل أشهر دليل واضح على أن السلاح المنفلت هو مثل تربية (العربيد) في البيت. لكن كُثُر وبخاصة من أصحاب نظرية (الجيش العقائدي) و (السلاح المؤدلج)قالوا أن السودان ومن قبله اليمن ولبنان وحتى العراق هي دول فاشلة وضعيفة وبالتالي لا تستطيع ضبط ذلك السلاح(العربيد). لكن هاهو طباخ بوتين،المسمى (بريغوجين)،يقدم لنا ذات الدرس ولكن على طبق ذهبي من مقتنيات الحقبة السوڤيتية. هاهو الجيش الروسي الذي رحّب بل مجّد بقوات(بريغوجين) المسماة قوات فاغنر والتي أرسلها للقتال (بالنيابة) في سوريا وافريقيا وأخيراً أوكرانيا تنقلب على الجيش الروسي الذي أتهمها بقيادة أنقلاب عسكري.
هاجم بريغوجين الذي لولا قواته ما صمد الروس في (باخموت) الأوكرانية كل هذه المدة، الجيش الروسي الذي أتهمه بقصف قوات فاغنر وقتل جنودها مما جعله يرد على ذلك بسحب قواته الى داخل روسيا لكي تقاتل الجيش الروسي. وفعلاً أسقطت فاغنر طائرة سمتية روسية ليلة أمس وسيطرت على مطار ومنشآت عسكرية هناك. أنه ذات السيناريو السوداني لكن بلغة روسية فصيحة،وأن كانت قاسية!!
نعم السياسة لها قوانينها أيضاً،فالدولة التي لا تحتكر العنف كما قال عالم الأدارة والأجتماع الألماني ماكس ڤيبر لا يمكن أن تسمى دولة. ومهما بدت لك تلك القوات (الرديفة)،ومهما بدت فائدتها،ومهما بدا أنصياعها للدولة فأنها ستنقلب أخيراً لتصبح السيّد لا المريد،وتلدغ بسُمِّها كلدغة العربيد.
لقد قالوا قديماً أن الذكي هو من يستفيد من أخطاءه،لكن الحصيف هو من يستفيد من أخطاء غيره. وأقول أن الفاشل هو من لا يستفيد من أخطاء غيره،أما الغبي فهو الذي لا يستفيد من أخطاءه!! ولأني لا أتوقع من الفاشلين أو الأغبياء أن يعوا دروس التاريخ والجغرافيا والسياسة فمقالتي هذه ليست موجهة لهم،بل موجهة
لكل من (ألقى السمع وهو شهيد).