ثمة تشويه يلحق الشخصيّة اللغوية سواء ما كان منه في المستوى الفصيح، أو ما كان منه في المستوى العاميّ، ويتمثل هذا التشويه حينما يعمد المتحدث باللغة العربية الفصيحة إلى تطعيم كلامه، بمناسبة ومن دونها بالألفاظ الأجنبية إظهارًا لما يتوهمه من ثقافة مستعلية، أو مهارة شخصيّة، وكذا الحال حينما يُنطق بالعَلَم المعرّب من طرف بعضهم بحسب اللسان الأجنبي، لا وفقًا لقواعد التعريب المستقرّة والشائعة بين عموم مواطنيه، من ذلك نطق كلمة (طَهران) بصورة (تِهران)، ونطق كلمة ( لَندَن) بفتح اللام، والدال!
وعادةً ما يتمّ ذلك مجاملةً لهذا الأجنبي أو ذاك، وقد يعترض بعضهم بالقول إن الأجنبي في اللغة الإنجليزية -مثلا- إنما يعمد إلى استبدال بعض الأصوات العربية بأخرى مقاربة لها في الأثر الصوتي لانعدام النظير عندهم، فيستبدل هذا الإنجليزي صوت القاف بصوت الكاف حينما ينطق كلمات عربية من قبيل( العراق، القاهرة، ونحوهما)؛ لانعدام صوت القاف في لغته ، في حين أن العربي يُبدل الطاء تاء في كلمات أعجمية من قبيل ( أرسطو، وطهران ونحوهما)، من غيرما ضرورة ملجئة لذلك، فصوت التاء موجود في العربية واختلافه عن الطاء أظهر من أن يُخفى…
وعلى الرغم مما يبدو عليه هذا الإشكال من وجاهة ظاهرية، فإنه مردود من حيث إن إبدال التاء طاءً في (أرسطو، وطهران، وغيرهما) قد يكون مصدره حقيقة أن صوتي الطاء والتاء في العربية ينبعثان من مخرج واحد، وقد قيل في التراث الصوتي العربي لولا الإطباق، والاستطالة لأصبحت الطاء تاء، وكذا فإن تاء الافتعال تُبدَل بحرف الطاء إذا تلاها أي حرف من حروف الإطباق، نحو اصطبر، واضطجع…الخ.
ولعلّ اللسان العربي استساغ صوت الطاء بدلا من التاء لأسباب أخرى غير التي ذُكرت آنفًا مما يتناسب مع الشخصيّة اللغوية العربية، ثم إن ما يحدث من تغيير للكلمات الأجنبية لاسيما الأعلام المشهورة هي سنّة لغوية شاملة لسائر اللغات تقريبا، وهي سنّة طبيعية محمودة على أي حال فما ننطقه نحن بصورة ينطقه الأجنبي بصورة مغايرة غالبا، أمّا أنّ الإنجليزي يعمد إلى تغيير أصوات العربية اضطرارًا، وهو تتمة الاعتراض السابق فهذا لا يجري لهم على الإطلاق فهم أي الإنجليز ينطقون كلمة ( تونس) مثلا ( تونشا) أي بإبدال صوت السين شينا، ومعلوم أنهم يحققون لفظ السين في ألسنتهم كتحقيقهم للفظ الشين، ولكن قد يكون هذا التبديل بين الحروف والأصوات ناشئا بدوره عن الشخصية اللغوية الإنجليزية، قياسًا على ما ذكرناه بخصوص العربية.
ومثل الذي ذُكِر في المستوى الفصيح يجري في المستوى العامي أيضا، كالذي يستبدل لهجة بلد آخر بلهجته المحليّة من غير اضطرار، أو غرض معقول، أي للا شيء إلا لمحض التبرع بمجاملة غير مطلوبة منه، كما يفعله بعض المشاهير من السياسيين والفنانين لدينا عندما يحاكون لهجات البلدان العربية المضيّفة لهم…
ومما له صلة في هذا السياق ما نقله الشاعر أحمد مطر عن صديقه الرسام ناجي في مجلس جمعهما برئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات، ومفاده أن ناجي العلي اتهم عرفات حينها بأنه يشتم شعبه الفلسطيني، وذلك حينما تكّلم معه باللهجة المصرية بدلا من الفلسطينية!