في آخر رسالة كتبتها لبلقيس كنت ارتدي اجمل ثيابي وتعطرت بعطري الذي يرافقني منذ ايام بيروت (توم فورد) نوع ( بلاك اوركيد) وقمت واقفاً كي اكتب، لان الكتابة لا تليق الا ان تكون بمستوى شأنك (الذي صنعته في رأسي).
لم يكن معي الهدهد وحتى لو جاء فأنا رجل لا افهم منطق الطير، واحياناً كثيرة لا افهم منطق البشر، اتعثر بالفهم حتى ظننت ظنّ سوء بشخصي، أيعقل كل هؤلاء على خطأ.
لربما مرّ فوق رأسي، ولكنني لا أميز بين الطيور وانواعها، فقط الغراب اعرفه جيداً، ومعرفتي به جاءت من خلال والدتي رحمها الله، إذ كانت كلما نعق غراب في حديقتنا رفعت رأسها الى السماء، قائلةً: يا رب احفظ شاكر وارجعه لي ولأولادي سالماً غانما.
وفي كل مرة يرجع والدي من الجبهة، اقول له ما سمعت منها فيأخذ رأسها ويقبله، حتى جاء اليوم الذي عاد ولكنه ليس سالما وغانماً كما كانت تتمناه دائماً، بل ملفوفاً بالعلم الذي تفانى لأجله حتى آخر يوم.
ولكن لازال الغراب ينعق رغم رحيل الاثنين والدتي وأبي.
أعود لبلقيس حيث كتبت لها متحايلاً على وجعي، مستنفذاً كل قوانين الكرامة في الحب العذري، يا أمرأة انه ليس من محمود، وليس لي طاقة على ان اكتب، وكما تعلمين فأني هجرت الكتابة منذ ان رأيت ما يكتبون.
انا اعلم إنك اقفلت كل الابواب بوجهي، واعلم ان القربة حينما لم يكن يدانيها ثقب كنت اخشى ملئها، واليوم وقد ملئت من كل ثقب زوجين اثنين فكيف لي النفخ فيها.
يا بلقيس
يبدو ان قلمي جف في اعماقه الحبر، فلم اعد قادراً على الكتابة.
حتى انت يا قلمي..