اضرب‭ ‬مثالاً‭ ‬هنا،‭ ‬ليس‭ ‬اكثر،‭ ‬فقد‭ ‬مرَّ‭ ‬أمامي‭ ‬بيان‭ ‬لمحافظ‭ ‬بغداد،‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬انه‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لأداء‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬الموازنة‭ ‬الجديدة،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ان‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬برنامج‭ ‬تحديد‭ ‬الأراضي‭ ‬التربوية،‭ ‬ولفت‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬شهدا‭ ‬بناء‭ ‬مئتين‭ ‬وخمسين‭ ‬مدرسة،‭ ‬وخفّف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬والملاكات‭ ‬التدريسية‭. ‬هذا‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تجري‭ ‬فيها‭ ‬عمليات‭ ‬التدقيق‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬أموال‭ ‬الموازنة‭ ‬الضخمة‭ ‬ويجعلها‭ ‬تذهب‭ ‬الى‭ ‬مساراتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬الصرف،‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬نبّه‭ ‬اليه‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬علناً‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬الفاسدين‭ ‬يتربصون‭ ‬بأموال‭ ‬الموازنة‭ ‬ولابدّ‭ ‬من‭ ‬تفويت‭ ‬الفرصة‭ ‬عليهم‭.‬

هنا‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬مدرسة،‭ ‬وهناك‭ ‬خمسون‭ ‬مركزاً‭ ‬صحياً‭ ‬ومعهم‭ ‬مجمعات‭ ‬سكنية‭ ‬ودوائر‭ ‬خدمية‭ ‬وبلدية‭ ‬وتفاصيل‭ ‬شديدة‭ ‬الدقة‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭ ‬ستغطيها‭ ‬أموال‭ ‬الموازنة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬موافقات‭ ‬صرفها‭ ‬بعد‭ ‬إقرارها‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬تحديث‭ ‬آليات‭ ‬الرقابة‭ ‬والفحص‭ ‬والمعاينة،‭ ‬فالفاسدون‭ ‬منظومات‭ ‬تعرف‭ ‬تفاصيل‭ ‬أمور‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬وتصل‭ ‬أيديهم‭ ‬الى‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬بسهولة‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬شرعية،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الفضائح‭ ‬المالية‭ ‬الكبيرة‭ ‬مدوية‭ ‬في‭ ‬الرؤوس‭ ‬حتى‭ ‬الان،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يستبعد‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬مجازر‭ ‬النهب‭ ‬العام،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬التغييرات‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬الأمنية‭ ‬او‭ ‬الإدارية‭ ‬او‭ ‬المالية‭ ‬ليست‭ ‬الوسيلة‭ ‬الناجعة‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬هجمات‭ ‬الفاسدين‭ ‬المتراصة‭ ‬او‭ ‬المتسللة‭ ‬عبر‭ ‬ثغرات‭ ‬نظامنا‭ ‬الاداري‭ ‬الهش‭ ‬والذي‭ ‬يزداد‭ ‬سوءاً‭ ‬بسبب‭ ‬التوافقات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المحاصصة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬برمته‭.‬

لا‭ ‬يستطيع‭ ‬المراقب‭ ‬ان‭ ‬يتفاءل‭ ‬جزافاً‭ ‬في‭ ‬انه‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬او‭ ‬سنتين‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬بقعة‭ ‬فساد‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭ ‬امتدادات‭ ‬عظيمة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬رصدها‭ ‬أو‭ ‬كافحها‭ ‬أحد‭.‬

المشاريع‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتناثرة‭ ‬والموزعة‭ ‬على‭ ‬بنود‭ ‬هامشية‭ ‬في‭ ‬الوزرات‭ ‬هي‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬خصوبة‭ ‬في‭ ‬انتعاش‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬العملاقة

‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬الأضواء‭ ‬الكاشفة‭ ‬باستمرار‭.‬

هل‭ ‬ينبغي‭ ‬القول،‭ ‬دعونا‭ ‬ننتظر‭ ‬لنرى‭ ‬اين‭ ‬ستنفجر‭ ‬بؤرة‭ ‬فساد‭ ‬جديدة،‭ ‬أم‭ ‬نقول‭ ‬ماذا‭ ‬توفر‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬ونافعة‭ ‬لحماية‭ ‬الاموال‭ ‬العامة‭ ‬بعد‭ ‬اطلاق‭ ‬الموازنة‭ ‬وتحولها‭ ‬الى‭ ‬امر‭ ‬واقع؟

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *