عندما زار وفد مجلس الحكم الإنتقالي برئاسة ابراهيم الجعفري طهران بعد 2003، وعند لقاء الوفد الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني، شرع الجعفري بالقاء خطبة ملؤها الفراغ، تحدث فيها عن الشعر العربي والفلسفة الفارسية، وشيء عن الروابط الثقافية بين البلدين، وما كان لرفسنجاني إلا ان يكون مطرق الرأس باحثاً في حبات مسبحته التي كان يقلبها ذات اليمين وذات الشمال.. كان السبب في دهشة رفسنجاني عن عدم وجود إستراتيجية للوفد العراقي في مباحثاته مع الجانب الايراني، فضلاً عن خلو ادمغة الوفد عن أي أفكار أو رؤى لما ستؤول الأمور في بلادهم في المستقبل القريب.. وجه رفسنجاني ثلاث تساؤلات للجعفري:
أولاً : للمنطقة الخضراء ثلاث بوابات، ماذا ستفعلون لو اغلق الامريكان بواباتها عليكم وحرمتكم من السلطة ؟
ثانياً : أنتم كحكومة القيتم بكل ثقلكم على ايران معتمدين عليها حتى في اموركم البسيطة التافهة، ماذا لو تعرضت ايران لحملة عسكرية من الغرب وفقدت قوتها التي تعتمدون عليها و حوصرت؟ أين ستولون وجوهكم؟
ثالثاً : سمعت ان انصاركم في الوسط وجنوب العراق يعانون الأمرين من الفقر والعوز وانعدام الصحة والتعليم والعمل، لماذا لم تحدثني عما ستفعلونه لجمهوركم المظلوم و المسكين والمضحي ؟..
غادر بعدها رفسنجاني الاجتماع تاركا” ابراهيم الجعفري مستغربا” متعجبا!!..
لقد خلف غياب الرؤى والاستراتيجيات عند الحكومات المتعاقبة ،و ضحالة مستوى معظم أعضاء مجلس النواب لدوراته ، دمارا” هائلاً للعراق.
وفي ذات الوقت،،، تقع على بعض الشخصيات الدينية التي أصدرت بيانات قُبيل الانتخابات حثت العراقيين فيها للتوجه لصناديق الاقتراع، دون اي اشارة الى تغيير الدستور، ولا لطرح مشروع سياسي اسلامي نهضوي أو دعم لكفاءات أو خبرات عراقية، للدفع بها إلى دفة إدارة البلد. فبرغم أن لا أحد اليوم يشك أن النظام السياسي الحالي لم يقدم خيرا للمجتمع العراقي ، أثبتت هذه الشخصيات (من خلال هذه البيانات) أنها تتبناه الى اليوم عمليا”، وتواصل دعم الدستور الناظم له فعليا” ، برغم كل ما يشاع عن اغلاق ابواب مرجعية السيستاني أمام السياسيين، وأن الصوت بح من دعوتهم الى الاصلاح. اننا لا نشكك في نوايا المرجعية، ولا نعلم ظروف صنع قراراتها، ولكن واجبنا الشرعي يحتم علينا أن نقول لها بصراحة: إن المشروع السياسي قد أنتج مخرجات فاسدة، والدستور ثبت فشله ويحمل مقومات تعطيل النهوض بالبلد، و مصدر للمشاكل الرئيسية التي تعصف بالبلد، ولا يجوز الاصرار عليه ومواصلة دعمه.. فدور المؤسسات الدينية يتمثل (أولا وقبل كل شيء) في الاستجابة للتحديات التي تواجه الأمة، ولا يوجد اليوم تحدٍ أكبر من بناء النظام السياسي الصالح لها، فهل يعقل من هذه المؤسسة العريقة ان تترك البحث في النظرية السياسية الاسلامية، والعمل لاحلال النظام العلمي الاسلامي، وتسكت الان في احلال منهجٍ سياسيٍ غربي مكانه!! والمصدر للمشروعية في أنظار عامة الشعب له! ولا تلتفت انها ستكون في النهاية المسؤول الاول أمام الله عن النكسات التي تحدث بسببه، والتراجعات التي تحصل على أثره! وعن كل تضييعٍ للدين، أو تفويتٍ لأحكام الشريعة؟!!
كان السُلطان العثماني سليمان القانوني (1520-1566م) الذي كان لا يعمل عملا الا باستشارة “العلماء”.. عندما تُوفي، وأثناء تشييعه أوصى بوضع صندوق معه في القبر، فتحيّر العلماء وظنوه مالاً، ولم يجيزوا إتلافه تحت التُراب، فلما فتحوه أخذتهم الدهشة عندما رأوا الصّندوق ممتلئ بفتاويهم، فراح أحدهم يبكي قائلا: *أنقذت نفسك يا سليمان* ، *فأي سماءٍ تظلنا وأي أرضٍ تُقلنا إن كنا مخطئين في فتاوينا؟* فأين المؤسسة الدينية اليوم من هذه العبرة؟ ومتى تفهم أنها تصمت عن دستورا لا ينتج الا أحزابا فاسدة ومنظومة سياسية فاسدة، وحكومات أفسد؟ وأين موقفها من هذا الانحلال السياسي؟ ومتى تطلق مشروعها الحضاري البديل؟
ننتظر للمؤسسة الدينية دورا” في ترتيب البيت السياسي العراقي بعيد عن التصعيد الإعلامي و الصراعات، و الدفع بتشكيل كابينة وزارية تخدم العراقيين و تضع الفاسدين تحت طائلة المحاسبة و القانون..
ربنا ارنا الحق حقا” لنتبعه..
وأرنا الباطل باطلا” لنجتنبه..
البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي