(1)
على باب الله هو العنوان الذي كان أخي الحبيب علي النوَّاب يكتبُ من خلالهِ تداعياته وهواجسه وذكرياته في صفحته على الفيس بوك، اخترتُ لكم هذه الشذرات الحافلة بالأمل مرَّة وبالأسى مرّات، الشذرات المضيئة التي تفصح عن نقاء سريرته وصبره وصموده إزاء المرض الذي فتكَ به أخيراً وحلَّقتْ روحه الطاهرة إلى سماوات الله. ولي عودة للكتابة عن أخي مُثقفاً راديكالياً وعصامياً وتأثيره في حياتي؛ فلولاهُ لم أكنْ أعرف ما هو الأدب؟
على باب الله ٢١ شباط
صباح الخير..
اعتذرُ سلفاً للأصدقاء من أني ابتعدتُ عن صفحتي في الفيس بوك دون أي إشارة أو توضيح، والسبب هو سرعة تداعيات حزمة الأمراض التي ضربتني تباعاً لدرجة وصلت معها إلى عدم تمكني من الحركة إلاَّ لبضعة خطوات وبصعوبة شديدة، وامتد صراعي مع حزمة الأمراض هذه طوال أشهر، لكن يبدو أن هناك بعض البشائر فيما يخصُّ التعافي من بعض الأمراض، وبدتْ ملامح النصر على هذه الأمراض تبرزُ إلى حدٍّ ما، بإذن الله.. أملي كبير في تحسُّن حالتي الصحية، وأول نشاط سأقوم به هو زيارة المرقدين الشريفين للأمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، وثم سأتواجد في مقهى الزوراء ولا تفوتني أمسيات اتحاد الأدباء أو نشاطات نقابة الصحفيين. دعواتكم الطيبة، أدعو الله أنْ تكونوا في تمام الصحة وروعة المزاج ومتعة السلام والأمن. تقبلوا محباتي الصادقة.
على باب الله ٢٢ شباط
صباحُ الخَير..
حياتنا سلسلةٌ طويلةٌ من الانتظار، ننتظرُ أنْ نكبر، ننتظرُ أنْ ندخل المدرسة، ننتظرُ أنْ ننجح، ننتظرُ أنْ يتم قبولنا في كلية جيدة، ننتظرُ أنْ ننهي الدراسة الجامعية، ننتظرُ أنْ نتعيّن، ننتظرُ أنْ نجد امرأة تشاركنا الحياة، ننتظرُ أنْ نتزوج، ننتظرُ أنْ يكون لنا طفلاً، ننتظرُ أنْ يكبر، ننتظرُ أنْ يدخل المدرسة، ننتظرُ أنْ ينجح، يتمرَّضُ، ننتظرُ أنْ يشفى، ننتظرُ نهاية الشهر لاستلام الراتب، ننتظرُ مرور السنين لنصل سن التقاعد، ننتظرُ استلام راتب التقاعد، نتعبُ ونمرضُ ننتظرُ أنْ يمنَّ الله علينا بالشفاء، ننتظرُ أنْ ينحسرَ عنّا هذا المرض اللعين، أو ننتظرُ قائمةَ عزرائيل، ننتظرُ الإمام المهدي عج أنْ يملأ الدنيا قسطاً و عدلاً، ننتظرُ الشفاعة، ننتظرُ أنْ نكون من أهل الجنة، ننتظرُ أنْ تحيط بنا الحوريات والغلمان الذين هم كاللؤلؤ المكنون، وبين كل ذلك آلاف الانتظارات لتفاصيل أخرى..
على باب الله ٢٤ شباط
صباحُ الخَير..
خُداداتْ..
عندما اشتدَّت أزمة مرضي قبل أيام، وكنت مرهقاً تماماً، إذْ تداخلت بعض الأمراض الجانبية مع المرض الأساس، وفي لحظة خارج الزمان، لم استطع أنْ أُخمنها إنْ كانت نهاراً أم ليلاً، كانت يدُ أمي تأخذني عِبر سوق مدينة “الحيرة”، كنت ارتدي دشداشة زرقاء غامقة، انتعلُ نعالاً من الإسفنج، كانت الدشداشة بلا أزرار، توقَّفتْ أمي عند دكَّان يبيع البهارات وما يسمى بطب العرب، كان هذا الدكان لرجل من أصل ٍ إيراني يدعى ” خُدادات “، كان يضع أغلب بضاعته في صفائح معدنية وبعضٍ منها في أوعيةٍ زجاجية، إحدى الأواني الزجاجية كانت أمامي مباشرة، كانت أشعة الشمس تخترق هذه الآنية فأحالت لون المادة التي تحويها إلى لون بنفسجي أخَّاذْ، أمي قالت لخُدادات، (هذا صار له يومين والبارده لازمته وگوه يتنفس)، مدَّ “خُدادات” يده إلى الآنية التي أمامي ووضع كمية منها في كيس ورقي صغير، وقال لأمي بلكنة إيرانية : قبل الريوگ تخدرين شويه من الورد ماوي هذا وتشربيه اله، وتكررين نفس الشي بالليل.. غمرَ السوق فجأةً ضوءٌ أبيض، اختفتْ ملامح السوق تماماً، رحتُ أبحثُ وسط هالة الضوء عن أمي أو يدها على الأقل، وأنا أتمتم ورد ماوي، ورد ماوي، استفقتُ على صوت العلوّية زوجتي، وهي تناولني قدحاً ساخناً: اخذ اشرب هذا الورد ماوي، وأردفتْ صار لك نص ساعة بس تلهج بكلمة ورد ماوي، بعد ساعة من تناولي للقدح الساخن، استعدت شيئاً من انتباهي ووعيي وزالت بعض الآلام المرافقة..
شكراً لك أمي..
على باب الله” ٢٥ شباط
صباح الخير..
تشرَّفتُ اليوم بزيارة وفد اتحاد الأدباء والكتاب/ المركز العام..
الوفد كان برئاسة الأمين العام للاتحاد “عمر السراي” وصحبة رئيس اتحاد أدباء وكتاب كربلاء “سلام البناي” والشاعر سلام القريني و د. علاء كريم و د. نصير لازم.. شكراً لهم، وبلا شك ستسهم هذه الزيارة الميمونة في المساعدة في شفائي بإذن الله.
تقبلوا محباتي الصادقة..