كنّا ندعو منذ سنوات في هذا الموضع من الكتابة اليومية، الى سن تشريعات تجرّم الطائفية قولاً وعملاً، تصريحاً وتلميحاً، بعد أن خرج العراق اكثر من مرة متكسّراً ومطعوناً من كل الجنبات عبر غمار معارك اشتعلت تحت شعارات الطائفية البغيضة، ولم نجد أذناً صاغية من اية حكومة أو برلمان أو رئاسة، فالجميع يبدو خائفاً أو متوافقاً أو مُتحسباً من الاخر ، و»يكاد المريب يقول خذوني” في كل موقف، وهذا جعل الطائفية التي يكرهها العراقيون الأصلاء باقية، تنمو سراً في الدهاليز التي قد تكون أزقة خلفية للمدن المشرقة أو الواجهات السياسية، أو تكون كامنة في تجاويف العقل الباطن لزعيم سياسي يعرف نفسه انه عار في مهب الريح أو آخر يصر على تذكير العراقيين بماضيه وأيامه، وكيف شهد البلد الانهيار على يديه وتحت ظلال شعاراته.
لا معنى أن يقولوا لنا في كل مناسبة؛ أننا نعمل من أجل اعلاء حق المواطنة والمواطنين كقيمة عليا، في حين انّ القمم الطائفية تشمخ وتتطاول متى استطاعت الى ذلك سبيلاً من دون اية ضوابط لكبحها.
عودة النفَس الطائفي في خطابات السياسيين ومواقفهم دليل على انّ المرحلة التي ظننّا انّ البلد غادرها لا تزال ماكثة هنا وهناك، والأسباب لا تحصى، لكن استصدار تشريع يكافح الطائفية قد يلجم الأصوات الناشزة والبغيضة، ومع مرور الوقت ربّما نصل الى بدايات صافية لخط شروع عراقي أكثر وضوحاً.
اعلم انّ من معوقات الوصول الى تشريعات ضد الطائفية وتعديل بنود في الدستور بما يضمن ذلك، هو وجود المحاصصة السياسية التي هي واجهة شبه مطابقة غالبا للمحاصصة الطائفية، لذلك يكون البلد امام مأزق حقيقي، مأزق تعريف الهوية الانتمائية لحركته اليومية وما ينعكس منها على مجمل العمل السياسي وصولا الى الأحزاب والشخصيات التي تصل الى سدة الحكم.
لكن ذلك لا ينبغي أن يصيبنا اليأس والإحباط المحيط بنا من كل جانب، مادام الشباب العراقي على درجة من الوعي المقاوم لموجات التجهيل العاتية التي هبّت على التراب الوطني منذ عقدين، وفتح بابها علينا الاحتلال الأمريكي الذي وأد أمل العراقيين في تجاوز حقب الحروب والديكتاتورية والحصار من اجل غد مشرق لأطفالنا وبلدنا.