منذ أن تحولت بغداد عاصمة لدولة بني العباس وأختلط العرب بالأعاجم اضمحلت الشخصية العربية فالعرب في نظري لا يجيدون سوى الثرثرة والكلام وشيئا فشيئا راحت قوى غير عربية فارسية وتركية تتحكم في تنصيب وعزل الملوك أو ما يسمون بالخلفاء فمن مال للفرس قربهم وتحكموا في دولته ومن مال للترك قربهم وتحكموا في مملكته وبعد أفول الامبراطورية العباسية صار العراق كرة يتقاذفها الغزاة ومن حكم لحكم حتى انتهى بنا المطاف لخمسة قرون نرزخ تحت نير الخلافة العثمانية وواهم من يعتقد أن الدين كان له علاقة بالحكم فصاحب الكرسي يبحث عن الأموال ولا علاقة بما تتحمله الرعية.
ومع نهاية الحكم العثماني كان العراق ومعظم الامة العربية محكومة بامارات ومشايخ كحكم الجاهلية الأولى فهناك شيوخ اثرياء منعمون وجلاوزة يعتاشون على ظلم الرعية وفتاة موائد الشيوخ والامراء وجموع فقيرة تكد وتشقى فلا تجد ما يسد رمقها.
العراق القبلي العشائري انقسم لقسمين معظم الشيعة لقربهم من النهر فقد امتهنوا الزراعة وما يتعلق بها من مهن أما السنة فلقربهم من الصحراء فقدوا امتهنوا الرعي والتجارة ومع اقتراب نهاية حكم الرجل العجوز اعتمد حكام العراق من الاتراك على شيوخ العشائر لضمان عدم خروج ثورات مناهصة لحكم الاستانة ولكل زمن رجال فكان البعض يتزلف للعثمانيين على حساب ابناء بلده وما إن انهزمت الدولة العثمانية حتى ظهرت مجموعة من الشخصيات الدينية العشائرية وبعض السماسرة الذين سيكون لهم بصمة في المشهد السياسي العراقي منذ دخول البريطانيين ليومنا هذا وما عليك إلا أن تبحث في اسماء اللاعبين في المشهد السياسي العراقي اليوم لتتأكد أنهم احفاد من كانت له علاقات سلبية أو ايجابية مع بريطانيا العظمى ومن قبلهم الأتراك. ولا أريد أن أخوض واتعرض لبعض العوائل التي كانت تتآمر على العراق أو يبيعون ابناء وطنهم للمحتل أو يعملون بالسمسرة أو كانت أمهاتهم تعمل في خدمة البريطانيين والتأريخ دائما ما يعيد نفسه فكم من نكرة في الأمس أصبح اليوم رقما صعبا ولو دققت فيه لوجدته أنه طفح على السطح أما بسمسرة للقوات المحتلة أو حصل على عقود لتجهيزهم أو خان ابناء وطنه أو قدم عرضه وشرفه ليكون قريبا من المحتل. هؤلاء هم بلاء العراق وهم أحد أهم اسباب فشل بناء العراق وعدم امتلاكه هوية مستقلة لايغرك ما يسبق اسمه أكان سيدا أم شيخا أم وجيها ولا يغرك ما يمتلك من مليارات وعقارات وشركات فبعض اثرياء اليوم كان يحلم بدراجة هوائية وأكبر أحلامه أن يمتلك دارا في قرية من قرى العراق حتى لو كان مبنيا من طين وتراه اليوم يمتلك مصارفا ومجمعات سكنية وارتالا من السيارات لتحميه وكلاب بشرية تركض أمامه وتمنع الناس من لمسه فهو يشأمز من الفقراء بل ويعقم يديه بعد كل مصافحة لظنه أنهم قذرون أو نجسون.فمعظمهم سماسرة وخونة وتراهم في كل نظام متواجدون لأنهم اتقنوا اللعبة ولعق الأحذية وبيع ماء الوجه ومع كل مرحلة تنضم أسماء جديدة للقائمة الجديدة وبعد عقود سينسى التأريخ كيف صعد هؤلاء ليصبحوا من ابناء الذوات وما الذوات إلا سماسرة وخونة وجباء ومتنلقين. أرى أن الهوية السياسية للحكومات العراقية متأثرة بالعمق التأريخي للعراق الحديث فسطوة بعض العوائل مازالت واضحة ولو عدنا بالتأريخ لما قبل دخول الاحتلال البريطاني لوجدنا أن هناك عوائل كانت مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي العراقي البعض أدمن تقبيل يد المحتل والتزلف إليه وكانت مهنته السمسرة والتجسس وخيانة أبناء بلده فأغدق عليه المحتل العثماني البريطاني وأصبح من الأثرياء الذين سيكونون لهم دورا حتى يومنا هذا والتأريخ يعيد نفسه فيتقن الاحفاد ما اتصف به الأجداد ونظرا لطبيعة العراق العشائرية فقد كان لبعض شيوخ العشائر أثر واضح في المشهد السياسي قبيل تأسيس الدولة العراقية وهناك من كانت لديه علاقات وثيقة مع أي محتل ولا ننسى دور بعض رجال الدين شيعة وسنة فقد أيقن المحتل أنهم مفتاح الولوج لهذه المجتمعات الغارقة في الجهل والتخلف والتمسك بتأليه البشر أو جعلهم في مكانة فوق ما يستحقون ولذلك كان المحتل يحرك هذه الادوات ويسخرها لخدمته فيغدق عليها العطايا والألقاب والأموال والاطيان ليضمن ولاء من خلفهم من سذج يتبعون الشيخ والمعمم طاعة عمياء والتأريخ يعيد نفسه ولا نريد نطعن بالجميع ولكننا نضع علامات استفهام كبيرة في توارث المناصب وحصرها في عوائل محددة منذ العهد العثماني ولذلك سطوة هؤلاء ونفوذهم لا يتناغم مع بناء دولة المؤسسات فما زالت نفس العوائل تكون حاضرة أما في تشكيل الحكومات أو رئاسة الاحزاب وكأن لا أحد غيرها يستطيع قيادة البلد يشذ عن ذلك فترة حكم الطاغية صدام حسين الذي خرج عن المألوف وسرق الحكم من هذه الاقطاعيات لينتقل بها لحكم القرية أعني العوجة ولو دققنا بالاسماء مابين تأسيس الحكومة العراقية ويومنا هذا سنجد تطابقا عجيبا لاسماء عوائل كانت ومازالت اللاعب الرئيسي في الحكم شيعة وينة وكوردا فهل هذا من قبيل المصادفة أم هناك لغزا يجب إن نبحث له عن اجابة مقنعة؟! أعتقد أن تشريح المجتمع العراقي بصورة دقيقة وعلمية محايدة ستفضي إلى نتيجة مفادها أننا مجتمع قومي طائفي مذهبي عشائري وأن الشخصية العراقية ولا أعني التعميم شخصية اتكالية انتهازية مصابة بالنرجسية وحب الأنا وترفع شعار الغاية تبرر الوسيلة وهي سخصية غير منضبطة صعبة الانقياد تحب التصدر والرئاسة ألا توافقني الرأي في هذا الازدياد الكبير في عدد الشيوخ وعدد حاملي لقب دكتور وإن كان كذبا وهو يصر على استخدام هذا اللقب العلمي قبل اسمه ليسد نقصا ما أو ليثبت حضوره في كل محفل فشهادات الدكتوراه الفخرية تباع وتمنح بابخس الاثمان وحدث فلاحرج حول سفراء الجمال والصحافة وشيوخ الدين الأميين أو أشباه الأميين في ظل الفوضى الخلاقة والعراقي الذي يعشق الثرثرة فيما يفهم وفيما لايفهم لا يريد أن يبني دولة الحداثة دولة المؤسسات التي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات دليلي البسيط على ذلك أننا متيقنون أن حيتان الفساد هم أحفاد أولئك الذين كانوا يقبلون يد العثمانيين والأنگليز ونخشى حتى ذكر أسماءهم فهم منزهون في نظر البعض عن الخطأ بل البعض يحاول جاهدا أن يعاملهم معاملة المعصومين يحق لهم ما هو محرم على الجميع. نحن بأمس الحاجة لثورة لتصحيح مفاهيم الواقع المغلوطة التي تميز هذا عن ذاك لاسمه ولقبه. الدولة تبنى على اساس العدل والمساواة والحرية والبحث عن الحقيقة وكشفها من دون الخوف بالاطاحة باسم او رمز. عندما نقتنع ونؤمن أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وأن الجميع تحت القانون ساعتها فقط نستطيع أن نقول أن هناك دولة أما ما نشهده منذ تأسيس الدولة العراقية فهي دولة السيد والشيخ والتاجر ونحن نعيش زمن السلطة لا زمن الدولة. فلا هيبة للدولة ولا سيادة للقانون ولا احترام لأي دستور (ولو أني غير مقتنع بدستور كتب في ظروف استثنائية مليء بالمطبات والهفوات والنهايات السائبة). نحن بحاجة لقراءة التأريخ الحديث قراءة علمية واقعية لنشخصص مواطن الخطأ والاعوجاج لنقومها ومواطن القوة فندعمها.