عندما أفتتح المبنى في العام 1986 كان يطلق عليه (مركز صدام للفنون)، وهو أهم صرح فني وثقافي في الشرق الأوسط عموماً، بل رمزاً لما آل إليه العراق من رقي الثقافة والفنون، رغم الحرب الضروس الذي كان يخوضها العراق حينذآك، بما يتسم به من فخامة البناء، والفضاءات الشاسعة والمهمة، وإحتواءه على قمة الأعمال الفنية، العراقية والعربية والعالمية، وإمتيازه على أرقى خدمات البنى التحتية والفوقية كاملة، وإضاءة وأجهزة التكييف المركزي الموسمي، وغيرها، وبأعلى جودة عالمية.. والمرافق الصحية..
حيث كان يضم هذا المتحف، قرابة ثمانية ألآف عمل فني متحفي، موزعة ما بين الرسم والنحت والسيراميك والخط العربي والكرافيك، من جميع التجارب الفنية داخل العراق وخارجه، بخمس طبقات كاملة كانت جميعها تعرض موجودات المتحفية وفق تبويب إداري وفني صحيح، تديره كفاءآت متمرسة عالية من الموظفين المتخصصين، وإشراف متواصل من قبل المدراء الذين تولوا مسؤولية هذا الصرح العظيم.
والجدير بالذكر، أن هذا المركز، كانت تزوره وفود رسمية وجماهيرية رفيعة المستوى على النطاق العالمي، من ضمن منهاج زيارات خاصة تضعها وزارتيّ الخارجية والثقافة والإعلام.
وقد أقيمت تحت قبته أكبر وأهم المهرجانات الفنية العالمية، التي يشهد لها التاريخ المعاصر، فضلاً عن المعارض الجماعية والشخصية على طوال عمر المبنى، وفي قاعات أخرى منه، كانت تقام الأمسيات والندوات الفكرية والموسيقية والثقافية، حتى العام 2003 هذا العام المشؤوم، بمباركة الاحتلال الأمريكي، على تدمير العراق وعلى مسيرة الثقافة والفنون قاطبة، حيث سرقت موجوداته الثمينة، وحرقت مكتبته الثرية، وأرشيفه النادر، ولم يبق إلا عدد قليل من الأعمال التي أصابها هي الأخرى الضرر مئة بالمئة.
ولكن.. الطامة الكبرى، التي ساعدت بانهيار هذا الصرح الكبير، عندما أتخذته (وزارة الثقافة ودوائرها) مستقراً لها، وقطعت أوصاله إرباً إرباً، إلى ممرات ضيقة ومكاتب موظفين محشورة، وحصر موجودات (المتحف) في قاعتين عرض فقط تفتقران لأبسط معيار عرض دولي، وأما المخزن، فقد أطلق عليه بـ (المقبرة) فهو مكان بائس لا يليق ولا يصلح أبداً لعملية خزن ثروة وطنية بهذه الصورة المأساوية، حيث تكدست اللوحات التي بدأت تتضرر يوماً بعد أخر.
هذه الثروة الوطنية الكبيرة والمهمة بدأت تتضرر وتنتهي وتتلاشى شيئاً فشيئاً. بسبب هذا الإختناق.. من يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية إتجاهها؟
والأدهى جداً، انه تم مؤخراً بناء هيكل ألمنيوم كبير ونشاز معيب في المدخل الرئيسي للوزارة نفسها، لينتهي فضاء البناء وكأننا ندخل في (قيصرية) مقسمة ودكاكين شعبية!
الحل الوحيد، أن تخلى الوزارة ودوائرها هذا المكان، بأقرب فرصة وتعود إلى بنايتها السابقة في (مجلس محافظة بغداد)، وتأهيل المركز من جديد في فتح جميع طبقاته الواسعة، لعرض كل ما موجود من أعمال فنية أمام الجمهور، وإخراجها من المخزن (المقبرة).. وليعود المركز إلى آلقه كما كان.. ونحافظ على ثروتنا الفنية.. أو بناء متحف جديد وفق معيار عالمي يليق بالإبداع العراق.